
الثورة الإيرانية لم تكن مجرد حدث داخلي بل تجربة ثورية امتدت تأثيراتها إلى السياسة الإقليمية والدولية. مثل كل الثورات الكبرى، بدأت الثورة الإيرانية برغبة في تصحيح الظلم المتراكم لقرون لكنها سرعان ما دخلت مرحلة الاختناق الداخلي وسياسة التصدير التي عزلتها دوليًا لعقود
إحدى خصائص الثورات أنها لا تكتفي بحدودها الجغرافية. الثورة الفرنسية مثال واضح، فقد امتدت إصلاحاتها إلى أوروبا عبر نابليون رغم أن الثوريين الأصليين لم يحكموا لفترة طويلة. هذا خلق مؤسسات دائمة بدلًا من حكم طويل للثوار ما ميز الثورة الفرنسية عن غيرها مثل الثورة الروسية التي استمر فيها الثوار في الحكم، لكنها انتهت بالاختناق الداخلي والانهيار.
الثورة الكوبية حاولت التوسع لكنها فشلت بسبب محدودية قدراتها البحرية رغم دعمها للثوريين في أمريكا اللاتينية وأفريقيا.
الثورة الصينية تمثل نموذجًا مختلفًا فقد اكتفت بجغرافيتها ولم يولد حكم الثوار الطويل اختناقا داخليًا. الصين حافظت على تطوير النظرية الثورية وأدخلت إصلاحات اقتصادية متسقة مع الشيوعية بخصائص صينية ما أتاح نموًا اقتصاديًا هائلًا وحماية حقوق العمال، مع تحقيق رفاهية شاملة للسكان وهو تحول غير مسبوق مقارنة بنظم السوق الحرة الغربية التي تزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
الثورة الإيرانية بعد استقرارها تبنت سياسة تصدير الثورة بقسوة ما أدى لعزلة استمرت 40 عامًا بسبب العقوبات الدولية وأوقف مسار التنمية الاقتصادية. خلال هذه الفترة، اقتصرت الأنشطة على المقدسات الدينية بدلًا من التنمية الشاملة مما أضعف القدرة الإيرانية على توسيع نفوذها الإقليمي.
في السنوات الأخيرة، أدركت القيادة الإيرانية أن ولاية الفقيه وحدها لا تكفي وبدأت خطوات لإصلاح الوضع الداخلي وتحسين العلاقات مع الجيران. تعاون إيران مع الصين ساعد في تهدئة التوترات في العالم العربي كما أظهرت إيران مرونة في سياستها تجاه باكستان حيث قدمت وساطة لتجنب الانحياز التقليدي وهو ما أثار استغراب الإعلام الهندي. هذه التحولات تشير إلى أن إيران بدأت تعديل استراتيجياتها لتتوافق مع الواقع الدولي مع الحفاظ على المبادئ الثورية.
رغم ذلك، لا يزال بعض الشيعة يربطون الأحداث الجيوسياسية بالدين كما كانوا قبل مارس 2023 ما يعقد فهم التطورات الإقليمية. هذا الفهم الخاطئ يعكس الحاجة لتطوير أدوات تحليلية جديدة لرصد وتحليل السياسة الإيرانية الحديثة بدقة.
اليوم، الثورة الإيرانية دخلت مرحلة جديدة، تركز على إنهاء الاختناق الداخلي وفتح فرص للتنمية والتعاون الإقليمي. التجربة الإيرانية تثبت أن الثورة ليست مجرد تغييرات داخلية بل عملية مستمرة من التكيف مع الظروف المحلية والدولية لتحقيق أهدافها.
التحولات الأخيرة تظهر قدرة القيادة الإيرانية على تجاوز سياسات التصدير القسرية والبحث عن حلول عملية وواقعية، مع الحفاظ على المبادئ الأساسية للثورة.
المقال باللغة الأردية كتبه المحلل العسكري الباكستاني رعايت الله فاروقي وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة حسن محمود والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.




