
تستعد بريطانيا لإلغاء نظام الضرائب الخاص بالمقيمين غير الدائمين (Non-Dom) اعتبارًا من 6 أبريل 2025 مما يضع حدًا لنظام ضريبي مكّن الأثرياء من تفادي دفع الضرائب على دخلهم الأجنبي لعقود. هذه التغييرات دفعت آلاف المليونيرات والمليارديرات إلى البحث عن ملاذات ضريبية جديدة في ما يبدو أنه موجة نزوح غير مسبوقة للثروات من المملكة المتحدة.
لطالما اعتُبرت بريطانيا وجهة مفضلة للأثرياء العالميين بفضل قوانينها الضريبية المرنة التي سمحت للمقيمين غير الدائمين بدفع ضرائب على الدخل المحلي فقط، مع تجنب فرض ضرائب على الثروات الخارجية. لكن حكومة حزب العمال بقيادة كير ستارمر قررت إنهاء هذه الامتيازات واستبدالها بإعفاء ضريبي مؤقت لمدة أربع سنوات للمقيمين الجدد قبل فرض الضرائب الكاملة على دخلهم العالمي، وفق تقرير نشرته مجلة “Think China“.
بالنسبة للعديد من الأثرياء، فإن الرسالة واضحة: لم تعد بريطانيا بيئة صديقة للثروات.
وفقًا لتقارير مالية، غادر أكثر من 10,800 مليونير بريطانيا في عام 2024 بزيادة 157% مقارنة بالعام السابق، أي بمعدل مغادرة مليونير كل 48 دقيقة. ومن المتوقع أن يصل عدد المغادرين إلى 135,000 بحلول عام 2025.
وتتصدر الإمارات العربية المتحدة قائمة الوجهات المفضلة حيث استقبلت 6,700 مليونير في عام 2024 تليها الولايات المتحدة (3,800) وسنغافورة (3,500). وتبرز دبي وأبوظبي كخيارات جذابة بفضل عدم فرض ضريبة على الدخل الشخصي وانخفاض الضرائب على الشركات، إضافة إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي.
بينما تتوقع وزارة الخزانة البريطانية أن تضيف هذه الإصلاحات 2.7 مليار جنيه إسترليني سنويًا إلى الإيرادات العامة، يحذر خبراء الاقتصاد من أن نزوح الأثرياء قد يؤدي إلى تراجع الاستثمارات وخسارة نحو 23,000 وظيفة خلال السنوات المقبلة.
وفي الوقت الذي تحاول فيه بريطانيا فرض عدالة ضريبية، يبدو أن المنافسة العالمية على استقطاب الأثرياء تشتد، مع تقديم دول مثل إيطاليا وأيرلندا برامج ضريبية مغرية للحفاظ على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية.
التغيرات في بريطانيا ليست سوى جزء من تحول عالمي أوسع حيث تشدد الحكومات إجراءاتها ضد التهرب الضريبي. فقد أدى نظام “المعيار المشترك للإبلاغ” (CRS) الذي أطلقته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى زيادة الشفافية المالية مما جعل من الصعب على الأثرياء إخفاء أصولهم في الملاذات الضريبية التقليدية.
وفي عام 2023 وحده، تم تبادل بيانات 134 مليون حساب مالي على مستوى العالم تغطي أصولًا بقيمة 12 تريليون يورو مما ساعد الحكومات على استرداد أكثر من 130 مليار يورو من الضرائب غير المدفوعة منذ عام 2017.
في ظل هذه التغيرات، لم يعد أمام الأثرياء سوى إعادة تقييم استراتيجياتهم المالية. ومع تشديد القوانين وزيادة تبادل المعلومات بين الدول، يبدو أن “الهروب من الضرائب” أصبح أكثر صعوبة من أي وقت مضى.
يقول وانغ ونهوي رئيس قسم الضرائب في شركة EY لمنطقة الصين الكبرى: “المنظومة الضريبية العالمية تتجه نحو مزيد من الشفافية والتشدد في الامتثال. الأثرياء يواجهون مخاطر متزايدة مما يدفعهم إلى إعادة التفكير في هياكلهم المالية والبحث عن استراتيجيات جديدة.”
فهل ستنجح بريطانيا في تعويض خسائرها الناتجة عن هجرة الثروات أم أنها ستجد نفسها مضطرة لمراجعة سياساتها الضريبية مجددًا في المستقبل؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.
Web Desk