آراء و مقالات

حرب ترامب التجارية تهدد بتقويض الاستراتيجية الأمريكية تجاه الصين

تعبيرية (GT)

في الوقت الذي تسعى فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تعزيز نفوذها في مواجهة التمدد الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، تبدو سياساته التجارية على وشك تقويض هذه الجهود. فقد أعلن ترامب مؤخرًا فرض رسوم جمركية شاملة على الواردات إلى الولايات المتحدة شملت ليس فقط الصين، بل أيضًا حلفاء وشركاء تجاريين رئيسيين ما أثار تساؤلات حول فعالية هذه الاستراتيجية في تحقيق أهدافها.

الرسوم الجديدة التي تصل إلى 34% على الصين و20% على دول الاتحاد الأوروبي و32% على تايوان، تأتي في وقت تحاول فيه الإدارة الأمريكية تكثيف وجودها العسكري في آسيا وتقديم مزيد من الدعم لتايوان. إلا أن محللين يحذرون من أن هذه السياسة الاقتصادية قد تُفضي إلى عزل واشنطن عن شركائها وتفتح الباب أمام تقاربهم مع بكين، بحسب تقرير نشرته وكالة “Reuters“.

تحالفات مهددة
يرى خبراء أن فرض الرسوم الجمركية على دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند وفيتنام — وهم شركاء رئيسيون في الجهود الرامية لاحتواء الصين — قد يؤدي إلى تآكل الثقة في القيادة الأمريكية.
يقول جو مازور المحلل الجيوسياسي في شركة “تريفيوم” للاستشارات: “ترامب يخاطر بعزل شركاء استراتيجيين في لحظة حاسمة. وقد تستغل الصين هذا الوضع لتقوية علاقاتها مع هذه الدول أو على الأقل لدفعها إلى إعادة تقييم تحالفاتها.”

تناقض داخلي في السياسات
في الوقت الذي تُكثف فيه إدارة ترامب خطابها ضد “العدوان الصيني” كما وصفه وزير الدفاع بيت هيغسث عبر زيارات إقليمية وتقديم دعم عسكري إضافي لتايوان، فإنها تتخذ في المقابل خطوات تقلل من نفوذها العالمي مثل خفض المساعدات الخارجية وإغلاق مؤسسات إعلامية مثل “راديو آسيا الحرة” التي كانت تلعب دورًا مهمًا في مواجهة الدعاية الصينية.

وتقول ليزي لي الباحثة في مركز تحليل الصين التابع لمعهد السياسة الآسيوية: “خفض أدوات القوة الناعمة بالتزامن مع فرض رسوم على الحلفاء لا يبدو كتحرك استراتيجي ناجح، بل كخطوة قد تُفقد واشنطن ثقلها في التوازن العالمي.”

الصين: ضبط النفس والتخطيط طويل المدى
على الرغم من التصعيد الأمريكي، تبنت الصين حتى الآن ردودًا محسوبة حافظت خلالها على قنوات الحوار مفتوحة.
يقول سون تشينغهاو الباحث في جامعة تسينغهوا: “نحن لا نسعى للتصعيد وردودنا حتى الآن متبادلة وغير استفزازية. الصين تدرك أن ترامب منشغل بملفات داخلية وخارجية ولا حاجة لإثارة مواجهات مفتوحة.”

في المقابل، تتوقع مراكز أبحاث أن تواصل بكين الضغط بطرق غير مباشرة مثل فرض قيود تنظيمية على شركات أمريكية والتركيز على تصدير رسائل الطمأنة إلى أوروبا والدول الحليفة لواشنطن بأنها ما تزال منفتحة على الشراكة.

الرهان على الوقت
يعتقد خبراء أن الرئيس الصيني شي جين بينغ يتبنى استراتيجية بعيدة المدى تعتمد على الصبر والامتصاص المرحلي للضغوط في انتظار تراجع واشنطن أو تغيّر قيادتها السياسية.
يقول كريغ سينغلتون الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: “الصين لا تسعى لتقديم تنازلات، بل تراهن على أن إدارة ترامب لن تصمد طويلاً أمام تداعيات حربها التجارية اقتصاديًا وسياسيًا.”

اقتصاد عالمي على المحك
وبينما يتكهن البعض بأن الرسوم قد تضر بالصين التي تعاني بالفعل من تباطؤ اقتصادي، يحذر آخرون من أن تداعيات الحرب التجارية قد تتجاوز الطرفين لتطال الاقتصاد العالمي برمّته.
ويقول كريستوفر بيدور من شركة “جافيكال دراجونوميكس”: “أي صدمة في الاقتصاد الأمريكي ستنعكس سلبًا على الصين والعالم. الخطر الأكبر هو أن تؤدي هذه المواجهة إلى زعزعة النمو الاقتصادي العالمي.”

ختامًا، يبدو أن سياسة ترامب التجارية لا تتجه فقط نحو الصين بل تهدد بتفكيك شبكة التحالفات التي بنتها واشنطن على مدى عقود. وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبرز الصين كلاعب حذر يراقب ويتحرك بهدوء رهانًا على تفوق الاستراتيجية على الضوضاء.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا