اقتصاد

الممرات المائية العالمية في 2025: اختناقات بحرية تهدد الاقتصاد العالمي

صورة: marineinsight

تواجه الممرات والمضائق البحرية حول العالم تحديات متزايدة، ما ينذر بأزمات اقتصادية وتجارية قد تمتد آثارها إلى مختلف القارات. هذه الممرات التي تشكّل شرايين التجارة الدولية تمر عبرها نحو 80% من السلع المنقولة عالميًا لكن الأحداث الجيوسياسية والتغيرات المناخية باتت تهدد استقرارها.

مضيق ملقا: أزمة جغرافية في قلب آسيا
يُعد مضيق “ملقا” بين إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة من أهم نقاط الاختناق البحري في العالم إذ تمر عبره أكثر من 94 ألف سفينة سنويًا تمثل ما يقرب من 30% من التجارة البحرية العالمية بينها نحو ثلثي تجارة الصين.

لكن هذا المضيق يعاني من تحديات أمنية متزايدة أبرزها القرصنة. فقد أظهر تقرير “المكتب البحري الدولي” وقوع 79 حادثة قرصنة حتى سبتمبر 2024 نصفها تقريبًا في جنوب شرق آسيا. كما أن تزايد توقف السفن في موانئ سنغافورة يزيد من احتمالية الحوادث البحرية.

ووفق تقديرات حكومية تايلندية، من المتوقع أن يصل المضيق إلى سعته القصوى بحلول عام 2030 ما دفع بانكوك إلى طرح مشروع “الجسر البري” الذي يربط بين خليجين آسيويين لتقليل الاعتماد على المضيق وتوفير وقت وتكاليف الشحن.

مضيق هرمز: تهديد مستمر في الخليج
يمر عبر مضيق هرمز قرابة 30% من صادرات النفط العالمية أي ما يعادل 15.5 مليون برميل يوميًا ما يجعله نقطة بالغة الحساسية في سوق الطاقة. ورغم عدم وجود تهديد مباشر حتى الآن إلا أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتعهده بتشديد العقوبات على إيران قد يعيد التوتر إلى المنطقة.

ويُذكر أن إيران هددت بإغلاق المضيق عدة مرات خلال السنوات الماضية، كما أنها استهدفت بعض السفن التجارية واحتجزت ناقلات نفطية كأوراق ضغط سياسية في ظل النزاعات الإقليمية والدولية.

باب المندب: البحر الأحمر في عين العاصفة
منذ نوفمبر 2024، شهد مضيق باب المندب تصاعدًا كبيرًا في التهديدات البحرية مع بدء جماعة الحوثي اليمنية استهداف السفن التجارية في سياق دعمها للقضية الفلسطينية. وقد اضطرت شركات شحن كبرى لتحويل مساراتها حول رأس الرجاء الصالح ما ضاعف من زمن الرحلات وتكاليف النقل.

الخسائر لم تتأخر في الظهور، فقد كشفت الرئاسة المصرية أن قناة السويس فقدت ما لا يقل عن 7 مليارات دولار من إيراداتها خلال العام بسبب اضطرابات البحر الأحمر.

كما أعادت هذه الأزمة تنشيط نشاط القراصنة قبالة سواحل الصومال. وأفادت تقارير الاتحاد الأوروبي بظهور مجموعات قرصنة منظمة ومسلحة بأعداد كبيرة، تستغل الانشغال الدولي بالتصعيد الحوثي.

مضيق البوسفور والدردنيل: شبح الحوادث وسط العقوبات
يكتسب المضيقان الخاضعان للسيطرة التركية أهمية استراتيجية كونهما الممر الوحيد بين البحر الأسود وبحر إيجه. وقد مثّلا خلال السنوات الماضية شريانًا حيويًا لنقل الحبوب من أوكرانيا وروسيا إلى العالم ضمن مبادرة أممية توسطت فيها تركيا.

لكن العقوبات المفروضة على روسيا دفعت موسكو لاستخدام ناقلات مجهولة الملكية ضمن ما يعرف بـ”أسطول الظل” ما رفع من احتمالات وقوع حوادث. ويُعد البوسفور من أضيق المضائق عالميًا وقد شهد في ديسمبر الماضي إغلاقًا مؤقتًا إثر تعطل ناقلة نفط كانت متجهة لروسيا.

قناة بنما: تحديات مناخية وسياسية
رغم كونها ممرًا صناعيًا إلا أن قناة بنما تمثل ركيزة أساسية في التجارة العالمية حيث تمر منها 3% من التجارة البحرية وقرابة نصف الحاويات المتجهة من آسيا لأمريكا.

لكن الجفاف الذي ضرب منطقة القناة خفض منسوب المياه في بحيرة “جاتون” ما أجبر السلطات على تقليص عدد السفن المارة يوميًا من 38 إلى 24 سفينة. ورغم تحسن الوضع مؤقتًا بفعل أمطار نوفمبر فإن التوقعات تشير إلى تفاقم الأزمة مجددًا مع دخول موسم الجفاف.

إلى جانب ذلك، فجّرت تصريحات ترامب أزمة سياسية بعد تهديده بإعادة السيطرة الأمريكية على القناة بحجة “الرسوم المرتفعة” و”النفوذ الصيني” وهي التصريحات التي رفضتها الحكومة البنمية بشكل قاطع مؤكدة أن القناة ملك لبنما وسيادتها غير قابلة للنقاش.

تأثير عالمي واسع النطاق
المخاطر التي تهدد هذه الممرات البحرية لا تقتصر على الدول المطلة عليها فحسب، بل تمتد لتؤثر على الأسواق العالمية بأكملها. فالمديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو إيويالا صرّحت في ديسمبر الماضي بأن “واحدة من كل أربع سعرات حرارية يتم استهلاكها عالميًا تمر عبر هذه الممرات البحرية“.

ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية والتحديات البيئية، يبدو أن العالم في حاجة ماسة إلى حلول دبلوماسية واستثمارية سريعة لتأمين طرق الملاحة الدولية قبل أن تتحول الأزمات المؤقتة إلى اختناقات دائمة تهدد الأمن الغذائي والاقتصادي العالمي.

المصدر: Asharq Business

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا