آراء و مقالات

دور الدول الأوروبية في تدمير القارة الأفريقية

مبارك علي

صورة: afrikaiswoke

عندما بلغت الدول الأوروبية ذروة تقدمها بدأت في التطلع إلى آفاق بعيدة فشرعت في اكتشاف قارات جديدة محاولَةً فرض سيطرتها عليها. خلال هذه الفترة، كانت الشعوب الأفريقية ضحية لتدمير ثقافاتها وحضاراتها إذ جُردت من إنسانيتها وجرى استغلال مواردها الطبيعية دون رحمة أو حساب.

كانت البرتغال أول دولة أوروبية تتوسع نحو القارة الأفريقية فتسللت إلى غينيا بيساو وموزمبيق وغيرها من المناطق مُؤَسِّسةً مستعمراتٍ استعمارية هناك. لم تقتصر أطماعها على الأرض وحدها، بل امتدت لتشمل جلب العبيد الأفارقة إلى الأراضي الأوروبية مما شكل بداية مأسوية لتجارة العبيد التي تعززت لاحقًا بانتقال الأفارقة إلى أمريكا اللاتينية حيث تم استغلالهم في مناجم الذهب والفضة. في نفس الوقت، استولى البريطانيون على أراضي السكان الأصليين في أمريكا وأنشأوا مزارع ضخمة استدعت الحاجة إلى المزيد من العبيد من أفريقيا للعمل فيها.

في جزر الكاريبي، كان هناك أيضًا حاجة ماسة للعمالة فاستفاد التجار الأوروبيون من تجارة العبيد التي ازدهرت في ليفربول وبريستول ومانشستر. وكما في إفريقيا كان رؤساء القبائل الأفريقية يشاركون في هذه التجارة اللاإنسانية حيث كانوا يقتادون مواطنيهم إلى التجار الأوروبيين. مع مرور الوقت، نمت الفروق الطبقية بشكل حاد مما قسّم المجتمع إلى طبقتين: بيضاء وسوداء، مُعَزِّزَةً من سياسة العبودية.

مع ازدياد أعداد العبيد في المستعمرات الأوروبية برزت فكرة التفوق العرقي لدى الأوروبيين فكان البيض يُعتبرون أعلى من الزنوج، وهو ما زرع بذور العنصرية والتمييز الطبقي في جميع أرجاء العالم الجديد. هذا التمييز العرقي كان له تأثير عميق على وضعية الأفارقة فتولد من ذلك نظام اجتماعي يُحْتَقر فيه الأفارقة ويُحرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية.

وكان البريطانيون في سعيهم لزيادة نفوذهم الاستعماري قد شرعوا في تحويل أراضي أفريقيا إلى مزارع ضخمة، حيث أجبروا الأفارقة على العمل في ظروف قاسية واستمروا في نشر التبشير المسيحي في القارة. ظن الأوروبيون أن الأفارقة لا دين لهم فحاولوا تحويلهم بالقوة إلى المسيحية متجاهلين تمامًا قيمهم الثقافية والروحية.

كما كان للمبشرين دور كبير في نشر المسيحية في أفريقيا. فمجموعات من الكاثوليك والبروتستانت كانوا يذهبون إلى القارة السوداء بهدف تحويل الأفارقة إلى الدين المسيحي. ورغم صعوبة الحياة في أفريقيا وانتشار الأمراض المميتة مثل الملاريا استمرت جهودهم، معتقدين أن الأفارقة سيتقبلون المسيحية بسهولة. وعلى الرغم من أن معظم المبشرين لم يحققوا نتائج فورية فإن البعض من الأفارقة اعتنقوا المسيحية تأثراً بتلك الحملات.

في هذا السياق، تحدث الكاتب الكندي H. Alan Cairns في كتابه “Prelude to Imperialism” عن العمليات البريطانية في وسط أفريقيا بين 1840 و1890 وشرح فيه مراحل اكتشاف أفريقيا.

في منتصف القرن التاسع عشر اقترح الباحث الاسكتلندي “الدكتور ديفيد ليفينغستون” الذي زار أفريقيا ليجمع معلومات عنها: أن يتم إرسال الشباب البريطاني العاطلين عن العمل إلى تلك الأراضي الشاسعة للاستقرار فيها. رأى أن الأرض هناك خصبة والفرص الزراعية متاحة وبالتالي يمكن الاستفادة من هذه الأراضي وإعمارها. لكن بدلاً من هذه الفكرة الإنسانية، قام البريطانيون بإرسال المزيد من مستوطنين البيض إلى تلك الأراضي واستولوا على أراضي الأفارقة وأجبروهم على العمل بها. فبهذا، تحول الأفارقة إلى عبيد في بلادهم.

أدى التمييز العنصري إلى تعزيز النظام الاستعماري في أفريقيا فظهرت سياسات الفصل العنصري في جنوب أفريقيا مما أدى إلى مزيد من القمع للأفارقة. لم تكن هذه السياسات تقتصر على الفصل في الحياة اليومية فحسب، بل امتدت لتشمل حرمانهم من أبسط حقوقهم كالتعليم والعمل والتنقل.

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأ صوت الحركات التحررية في القارة الأفريقية يعلو مطالبًا بالاستقلال والحرية من الاستعمار. ورغم ما لاقته هذه الحركات من قمع وحروب دموية فقد تمكنت العديد من الدول الأفريقية من الحصول على استقلالها في الخمسينيات والستينيات. ورغم التضحيات العظيمة، ترك الاستعمار الأوروبي آثارًا عميقة في المجتمعات الأفريقية شملت كل شيء من البناء الاجتماعي إلى النمو الاقتصادي.

كان الاستعمار الأوروبي في أفريقيا واحدًا من أحلك فصول التاريخ البشري حيث فُرضت على الشعوب الأفريقية معاناة غير مسبوقة وتم استغلال مواردها الطبيعية والبشرية في خدمة طموحات أوروبا. ورغم أن الأفارقة قد استعادت الكثير من أراضيهم واستقلالهم فإن آثار الاستعمار ما زالت تمثل تحديات مستمرة في مختلف جوانب الحياة حتى يومنا هذا.

المصدر: المقال باللغة الأردية وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة عبدالرؤوف حسين، والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا