آراء و مقالات

هل كانت أوكرانيا دولة نووية؟ قراءة تحليلية في خلفيات مذكرة بودابست

تعبيرية (glenndiesen)

رعايت الله فاروقي

تصاعدت وتيرة الخطاب الإعلامي الغربي حول أحقية أوكرانيا في استعادة وضعها النووي وبرزت تصريحات للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في هذا السياق، كان أبرزها ما قاله قبل أشهر قليلة: “ينبغي أن تُعاد إلينا الأسلحة النووية التي أُخذت منا عام 1994.”

هذا التصريح لم يكن عابرا بل يبدو بوضوح أنه جزء من استراتيجية دعائية منسقة حيث سارع الإعلام البريطاني – ومن ورائه بعض الأصوات الغربية – إلى تبني الخطاب ذاته مطالبين بإعادة ما وصفوه بـ”الأسلحة النووية الأوكرانية“.

لكن، ما مدى دقة هذا الادعاء؟ وهل كانت أوكرانيا في أي مرحلة من تاريخها دولة نووية ذات سيادة على السلاح النووي؟

عند مناقشة الملف النووي الأوكراني، يُستشهد كثيرا بمذكرة بودابست للضمانات الأمنية، الموقعة عام 1994 بين كل من روسيا، أوكرانيا، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. المذكرة نَصّت بوضوح على أن تقوم أوكرانيا بإعادة جميع الأسلحة النووية الموجودة على أراضيها إلى روسيا مقابل التزام الأطراف الموقعة باحترام استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها.

غير أن ما يغفله كثيرون – عن قصد أو عن جهل – هو أن تلك الأسلحة لم تكن في الأصل أسلحة أوكرانية بل كانت جزءًا من الترسانة النووية السوفيتية التي تم نشر بعض مكوناتها على أراضي أوكرانيا لأسباب جيوعسكرية بحتة خلال الحقبة السوفيتية.

عقب انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 وظهور جمهوريات جديدة من بينها أوكرانيا، بقي القرار النووي حصرا بيد موسكو. ورغم أن عددا من الرؤوس النووية السوفيتية كان موزعا على أراضي جمهوريات مثل أوكرانيا وكازاخستان وروسيا البيضاء، فإن التحكم والصيانة وآلية الإطلاق جميعها بقيت تحت إشراف القيادة الروسية المركزية.

عليه، فإن الأسلحة الموجودة على أراضي أوكرانيا لم تكن تحت سيطرة كييف فعليا بل كانت رمزية من حيث التواجد الجغرافي فقط وهذا ما تؤكده الوثائق الروسية والأمريكية على حد سواء.

رغم هذا الوضوح، يصرّ كثير من المحللين والإعلاميين على تكرار رواية الإعلام الغربي التي تُصور أوكرانيا كضحية نُزع منها سلاحها النووي دون التحقق من خلفيات الوقائع التاريخية والجيوسياسية، بل وصل الأمر إلى ترويج أخبار كاذبة عن خسائر روسية ضخمة، من بينها “تدمير أكثر من 40 طائرة حربية في هجوم أوكراني” وهي رواية ثبت لاحقا عدم صحتها حتى من قبل مصادر استخباراتية غربية.

المنطق هنا بسيط: لو كانت أوكرانيا بالفعل دولة نووية ذات سيادة على تلك السلحة، فلماذا لم تتدخل الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة آنذاك وتُشرف على نقل تلك الأسلحة إلى أراضيها أو تخضعها للرقابة الدولية كما حدث مع بعض برامج نووية أخرى حول العالم؟

الإجابة واضحة: لأن تلك الأسلحة كانت روسية بالمنشأ والسيطرة ووجودها على الأراضي الأوكرانية كان ظرفا جغرافيا لا دلالة سيادية له.

إن الادعاء بأن أوكرانيا كانت دولة نووية وتم نزع سلاحها بموجب مذكرة بودابست هو مغالطة سياسية وإعلامية أكثر من كونه توصيفا دقيقا للواقع. لم تنزع من أوكرانيا ما تملك بل أعادت إلى روسيا ما كان روسيا وتم ذلك بتوافق سياسي وبدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا من أجل استقرار ما بعد الحرب الباردة.

واليوم، عندما يُطرح الحديث عن “إعادة” السلاح النووي لأوكرانيا فهو ليس سوى محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وتعقيد الأزمة الجيوسياسية الراهنة في شرق أوروبا على حساب الحقيقة والتاريخ.

االمقال باللغة الأردية وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة عبدالرؤوف حسين والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا