آراء و مقالات

الأدب الديني بين الديناميات الاجتماعية والنفسية

رعايت الله فاروقي

صورة: Medium

يتعرض الفكر الديني بشكل مستمر للنقد من قبل المفكرين الليبراليين وهو ما يعد أمرًا طبيعيًا في ظل الاختلافات الفكرية بين هذه التيارات. يشكل الفكر الديني بالنسبة لهم نقطة خلاف جوهرية بينما يبقى هذا النقد جزءًا من طبيعة الحوار الفكري. ولكن هناك مسألة أعمق يجب أن نُسلط الضوء عليها وهي المعضلة التي تواجه الكتاب الدينيين في مجال القصة الأدبية.

من أبرز القضايا التي يعاني منها الكاتب الذي يكتب من منطلق ديني هو فشله في مواءمة كتاباته مع الواقع الاجتماعي والنفسي الذي تعيشه المجتمعات البشرية. كثيرًا ما نرى أن تركيزه ينحصر على إضفاء “اللمسة الدينية” على النصوص بينما يغفل تمامًا عن ربط هذه الأعمال بالتطورات النفسية والاجتماعية التي تؤثر في شخصية الإنسان وتشكيل مجتمعاته. فالأدب لا يعد مجرد سرد حكايات بل هو مرآة تعكس تحولات الإنسان في سياقه الاجتماعي والثقافي.

صحيح أن بعض الكتاب الدينيين الباكستانيين مثل أشفاق أحمد وبانو قدسية نجحوا في إحداث توازن بين الدين والعادات المجتمعية إلا أن العديد من الكتاب الآخرين يواجهون تحديات كبيرة في هذا السياق. وإن كانت هذه الفجوة غير مهمة بالنسبة للبعض فهذا قد يعني أنهم لا يملكون الفهم الكافي للتركيب الأساسي للقصة الأدبية ولا يدرون أن الأدب هو انعكاس للإنسان ونفسيته ومجتمعه.

على الكاتب أن يكون على دراية كاملة بكيفية تأثير النفس البشرية والمجتمع على الشخصيات وأن تكون كل سطر من القصة مُرتبطًا بالواقع الاجتماعي والنفسي. فالأدب هو في جوهره تصوير للعلاقة بين الإنسان ومجتمعه وكيفية تأثير الظروف النفسية والاجتماعية على تصرفاته. فكيف يمكن للكاتب أن يكتب عن المجتمع إذا لم يكن لديه الوعي الكامل بالنفسيات الاجتماعية؟ وكيف له أن يعكس الواقع إذا كان يجهل طبيعة هذا الواقع؟

على سبيل المثال، إذا حاول كاتب باكستاني ليبرالي كتابة رواية تدور حول الحرب الأفغانية ولكنه لم يعش في أفغانستان ولم يدرس المجتمع الأفغاني عن كثب فإن روايته لن تكون ذات قيمة. سواء نال الكتاب ثناءً من النقاد سيظل النص فاقدًا لمصداقيته. الفكرة تكمن في أن الأدب يجب أن يرتبط مباشرة بالمجتمع والنفس البشرية؛ فلا يمكن للكاتب أن يتجاهل هذه العوامل. وعلى الكتاب الدينيين أن يدركوا أن الأدب يجب أن يرتكز على فهم عميق للنفسيات الاجتماعية والسياقات الثقافية.

من هنا يمكننا أن نأخذ مثالًا من الأدب العالمي مثل رواية “Anna Karenina” (آنَا كارينينا) لتولستوي التي يعتبرها الكثيرون من أعظم الأعمال الأدبية. في هذه الرواية يتناول تولستوي موضوع “الزنا” من خلال إطار اجتماعي ونفسي دقيق حيث تظهر الآثار النفسية والاجتماعية لهذا الفعل دون أن يصدر حكماً دينيًا مباشرًا. في واقع الأمر لم يكن تولستوي يقدم نصيحة دينية بل كان يسلط الضوء على تبعات الفعل من خلال الشخصيات وسياقها الاجتماعي والنفسي.

وهذا هو الفرق بين الكتاب الذين يكتفون بالعناصر الدينية في رواياتهم وبين أولئك الذين يفهمون عمق النفوس البشرية وتفاعلها مع المجتمع. القصة ليست مجرد محاكاة للواقع بل هي تحليل نفسي واجتماعي لظواهر الحياة. وكتابة الأدب الديني يجب أن تأخذ هذا في الاعتبار إذ لا يكفي أن تقتصر الرواية على “اللمسة الدينية”، بل يجب أن تتعامل مع قضايا المجتمع والإنسان من منظور إنساني شامل.

لهذا، من الضروري للكتاب الدينيين الجدد أن يستلهموا من كبار المفكرين مثل جلال الدين الرومي، الشيخ سعدي، ليو تولستوي وفيودور دوستويفسكي. فهؤلاء المفكرون ليسوا مجرد مؤلفين دينيين، بل قدّموا فهمًا عميقًا للنفس البشرية وعلاقتها بالمجتمع. فهم تناولوا القضايا الاجتماعية والنفسية من منظور شامل يمكن أن يفيد الكتاب الدينيين في معالجة قضايا مشابهة في رواياتهم.

في النهاية، إن الأدب ليس مجرد وسيلة لتمرير رسائل دينية بل هو أداة لفهم الإنسان والمجتمع. وإذا لم يكن الكاتب الديني قادرًا على فهم هذا السياق العميق فإن روايته ستظل معزولة عن الواقع ولن تلامس قلب القارئ. لذلك، ينبغي للكتاب الدينيين أن يتوجهوا إلى دراسات أعمق لتشمل فهم الإنسان والمجتمع بشكل أوسع، وإن لم يفعلوا ذلك فإن أعمالهم ستظل قاصرة عن التأثير في الأجيال القادمة.

المصدر: المقال باللغة الأردية وتم تلخيصه باللغة العربية بواسطة ثاقب حسين والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا