
أعلنت مؤسسة لوندبيك الدنماركية فوز العالِمين ميشيل مونجي من جامعة ستانفورد وفرانك وينكلر من جامعة هايدلبرغ بجائزة الدماغ لعام 2025 – وهي أرفع جائزة عالمية في مجال علوم الأعصاب وتبلغ قيمتها 10 ملايين كرونة دنماركية (نحو 1.4 مليون دولار أمريكي) – وذلك تقديرًا لاكتشافهما آلية جديدة وغريبة في تطور سرطان الدماغ حيث تبين أن خلايا الورم تقوم فعليًا بـ”اختطاف” الخلايا العصبية السليمة لتعزيز نموها.
ويُعد هذا الاكتشاف تطورًا مفصليًا في فهم سرطان الجليوبلاستوما (Glioblastoma)، أحد أكثر أنواع أورام الدماغ عدوانية وفتكًا والذي يعاني منه آلاف المرضى سنويًا. ويصل متوسط البقاء على قيد الحياة بعد التشخيص إلى أقل من 18 شهرًا بينما لا تتجاوز نسبة النجاة لمدة 10 سنوات 0.71%.
بحسب الأبحاث التي نُشرت في دورية Nature كما أفاده موقع The Scientist، فقد تمكن كل من مونجي ووينكلر – بشكل مستقل ثم في تعاون مشترك – من إثبات أن خلايا الورم الدماغي لا تكتفي بالانقسام والنمو بل تنشئ تشابكات عصبية حقيقية مع الخلايا العصبية تُستخدم لنقل الإشارات الكهربائية التي تُحفّز الورم على التوسع والانتشار.
وقالت الدكتورة ميشيل مونجي: “هذا الاكتشاف يغيّر نظرتنا للورم إذ لم يعد مجرد كتلة دخيلة بل أصبح جزءًا من الشبكة العصبية للدماغ”.
أما الدكتور فرانك وينكلر، فقد أوضح أن “خلايا الورم تُطلق امتدادات شبيهة بالجذور تُعرف بـ’الأنابيب الميكروية الورمية’ تخترق أنسجة الدماغ السليمة وتخلق روابط كهربائية مباشرة مع الخلايا العصبية”.
هذا الفهم الجديد أثمر عن توجهات علاجية جديدة منها تجارب سريرية تجرى حاليًا على أدوية مثل Perampanel – وهو مضاد للصرع يثبّط المستقبلات العصبية التي يعتمد عليها الورم. كما يعمل فريق مونجي على تطوير عقار يمنع الورم من استغلال بروتين Neuroligin-3 الذي يُستخدم كجسر في عملية الاختطاف العصبي.
وقال الدكتور أولا رومينيي جرّاح الأعصاب بجامعة شيفيلد: إن هذه الاكتشافات “تمنحنا أدوات جديدة في غرفة العمليات وتضيء لنا طريقًا مختلفًا لفهم كيفية انتشار الورم واستجابته للعلاج”.
وقد أسهمت هذه الأبحاث في تأسيس حقل علمي جديد يُعرف باسم “علم الأعصاب السرطاني” (Cancer Neuroscience) يُركّز على العلاقة المعقّدة بين الخلايا العصبية والخلايا السرطانية ما قد يؤدي إلى استراتيجيات علاجية جديدة ليس فقط في الدماغ بل في أنحاء أخرى من الجسم حيث أظهرت دراسات مماثلة أن السرطان قد يستغل الأعصاب الطرفية أيضًا.
من جانبه، قال الدكتور ماريو سوافا من كلية الطب بجامعة هارفارد: “نحن أمام لحظة شبيهة بلحظة اكتشاف توليد الأوعية الدموية في السرطان. اليوم، نعلم أن الأعصاب أيضًا تلعب دورًا حيويًا في تغذية الأورام”.
مع هذا التحول في فهم طبيعة أورام الدماغ، يحدو الأمل الأطباء والمرضى على حد سواء بأن العلاج الفعّال أصبح أقرب من أي وقت مضى. كما يؤكد الباحثون أن القضاء على هذا النوع من السرطان سيتطلب مزيجًا دقيقًا من العلاجات يستهدف ليس فقط الخلايا السرطانية بل أيضًا الروابط التي تُغذّيها.
وقال رومينيي في ختام تصريحه: “التحدي الآن هو كيف نفكك هذه الروابط بين الورم والعقل دون أن نُدمّر جوهر الإنسان نفسه”.
Web Desk