آراء و مقالات

حل حزب العمال الكردستاني: تركيا بلا إرهاب

صورة: hawarnews

فاطمة هاشم – حبيبة عماد

في تطور تاريخي ينهي عقودًا من الصراع المسلح الذي أودى بحياة الآلاف، أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK) في 12 مايو/آيار في بيان عن حل تنظيمه وإنهاء نضاله المسلح ضد الدولة التركية. هذه الخطوة، التي جاءت استجابة لدعوة زعيم الحزب المعتقل عبد الله أوجلان، تمثل نهاية رحلة طويلة ومضطربة بدأت بأهداف قومية كردية متشددة ومرت بمراحل من التصعيد والعنف، وصولًا إلى محاولات السلام والهدنة، لتنتهي بإعلان الحل. فكيف تأسس هذا الحزب؟ وما هي المراحل التي مر بها حتى وصل إلى هذا القرار؟

التأسيس والأهداف الأولى (1978):

تأسس حزب العمال الكردستاني (PKK) في 27 نوفمبر 1978 في قرية فيس في محافظة ديار بكر على يد مجموعة من الطلاب الأكراد ذوي التوجهات اليسارية الماركسية اللينينية، والذين عُرفوا في أنقرة باسم “الأبوكيين” نسبة إلى عبد الله أوجلان. عقد الحزب مؤتمره التأسيسي في قرية فيس، بحضور 21 شخصًا، من بينهم امرأتان، إحداهما زوجة أوجلان آنذاك، كسيرة أوجلان، والأخرى سكينة جانسيز التي اغتيلت في باريس عام 2013. أعلن الحزب في مؤتمره الأول عن هدفه المتمثل في إقامة دولة كردية اشتراكية، وتبني “الكفاح الوطني الكردي” المسلح ضد تركيا، معتبرًا نفسه امتدادًا للثورات الكردية التي شهدتها فترتا الحكم العثماني والجمهوري.

سنوات الصراع المسلح والتصعيد (1984-1999):

بعد سنوات من التنظيم، أعلن عبد الله أوجلان في عام 1984 عن بدء ما أسماه “حرب الشعب طويلة الأمد”، وشكل “قوات تحرير كردستان” (HRK) كجناح عسكري للحزب. نفذ حزب العمال الكردستاني PKK  أولى هجماته المسلحة في 15 أغسطس 1984 في مناطق سييرت وشيرناق وهكاري، مستهدفًا نقاطًا عسكرية تركية، لتبدأ بذلك مرحلة طويلة ومكلفة من الصراع المسلح بين الحزب والدولة التركية. في عام 1986، استبدلت HRK بـ “جيش التحرير الشعبي الكردستاني” (ARGK)، الذي كثف عملياته المسلحة في تركيا حتى عام 1993. شهدت هذه الفترة أيضًا بروز معتقل ديار بكر سيئ السمعة كرمز لمعاناة الأكراد، حيث توفي عديد من مؤسسي الحزب في السجن احتجاجًا على التعذيب وسوء المعاملة.

محاولات الهدنة والعودة إلى العنف (1993-1999):

 في عام 1993، وفي ظل مبادرات للسلام من الرئيس التركي آنذاك تورغوت أوزال، أعلن عبد الله أوجلان عن أول وقف لإطلاق النار من جانب واحد في مارس 1993. إلا أن اغتيال أوزال في أبريل من العام ذاته، والهجوم الدامي الذي نفذه مسلحو حزب العمال الكردستاني PKK على حافلة تقل جنودًا أتراكًا مسرحين في مايو 1993، أدى إلى انهيار الهدنة وعودة العنف.

شهدت التسعينيات تصاعدًا في العمليات العسكرية التركية عبر الحدود في شمال العراق، وتأسيس نظام “حراس القرى” الأكراد الموالين للدولة، بالإضافة إلى حوادث اغتيال غامضة وعمليات إخفاء قسري، مما أدى إلى موجات نزوح كردية واسعة من القرى إلى المدن.

شكل اعتقال عبد الله أوجلان  عام 1999 نقطة تحول حاسمة. بعد محاكمته وسجنه مدى الحياة، دعا أوجلان إلى حل سلمي للقضية الكردية حيث أعلن حزب العمال الكردستاني PKK من طرف واحد وقف إطلاق النار عام 1999، وغير اسمه إلى مؤتمر حرية كردستان الديمقراطي (KADEK) عام 2002، وبدأ بسحب قواته المسلحة من تركيا. ومع سقوط نظام صدام حسين في العراق، حصل الأكراد بقيادة البارزاني على وضع سياسي، مما أثر في استراتيجيات PKK. في عام 2003، غير KADEK اسمه إلى مؤتمر الشعب الكردستاني (Kongra-Gel)، وفي عام 2004، أدرجت الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية PKK و Kongra-Gel في  قوائم المنظمات الإرهابية.

في عام 2004، أعلن حزب العمال الكردستاني PKK إنهاء وقف إطلاق النار، وعاد العنف تدريجيًا إلى المدن التركية. في عام 2005، تأسس اتحاد مجتمعات كردستان (KCK) الذي ضم PKK كجزء منه. شهدت هذه الفترة أيضًا محاولات جديدة للحل السلمي، أبرزها “عملية السلام” التي أطلقتها حكومة حزب العدالة والتنمية عام 2013، والتي تضمنت مفاوضات مع أوجلان وإطلاق سراح بعض السجناء، لكنها انهارت في عام 2015 مع تصاعد التوترات وهجمات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) واحتجاجات كوباني.

العودة إلى الصراع وإعلان الحل (2015-2025):

 بعد انهيار “عملية السلام”، عاد الصراع المسلح إلى ذروته، مع تنفيذ حزب العمال الكردستاني PKK عمليات في المدن التركية وحملات عسكرية واسعة النطاق نفذها الجيش التركي في جنوب شرق البلاد وشمال العراق وسوريا. شهدت هذه الفترة ما عُرف بـ “عمليات الخندق” في بعض المدن ذات الأغلبية الكردية. في عام 2024، طرح رئيس حزب الحركة القومية دولت بهچلى مبادرة لدعوة أوجلان لحل الحزب مقابل النظر في “حق الأمل” القانوني. سمحت السلطات التركية بزيارات وفد من “حزب المساواة والديمقراطية للشعوب”. DEM Parti (الوريث لحزب الشعوب الديمقراطي) لأوجلان في إمرالي بعد انقطاع طويل. وفي 27 فبراير 2025، دعا أوجلان علنًا إلى إلقاء السلاح وحل PKK. استجاب الحزب لهذه الدعوة بإعلان وقف إطلاق النار في مارس 2025، وتوجت هذه الخطوات بإعلان PKK في 12 مايو 2025 عن حل تنظيمه وإنهاء الكفاح المسلح بشكل كامل.

صدر بيان حل حزب العمال الكردستاني عقب انعقاد المؤتمر الثاني عشر للحزب بين الخامس إلى السابع من مايو 2025 استجابة لدعوة زعيم الحزب عبدالله أوجلان.

انحلال حزب العمال الكردستاني لا يعني التخلي عن أهدافه

على الرغم من إصدار قرار حل حزب العمال الكردستاني، فإن التصريحات تحمل بين طياتها أن هذا القرار لا يعني بالضرورة تخلي الحزب عن أهدافه السياسية. فقد أشار الحزب في  البيان أن تنفيذ القرار يتطلب عبدالله أوجلان و الاعتراف بحقوقه في العمل السياسي و ضمانات قانونية شاملة مما يعني أن الحزب لا يزال يسعى لتحقيق أهدافه السياسية من خلال الوسائل الديمقراطية و السياسية بدلاً من الكفاح المسلح.

كما صرح بعض السياسيين أن حل الحزب لا يعني نهاية القضية الكردية أو المطالب المرتبطة بها.

كيف جاءت ردود الفعل على هذا القرار

رحب الرئيس رجب طيب أردوغان بالقرار وصرح بأنه ثمرة جهودهم نحو إقامة دولة تركية بلا إرهاب، وأشار إلى أن تعيين الوصاة على البلديات سيصبح استثناء بعد الآن، مؤكدًا ضرورة مناقشة شاملة لمسألة الإدارة المحلية و البلديات.

أصدرت وزارة الخارجية بيانًا نفت فيه الادعاءات المتعلقة بتغيير دستوري نحو نظام فدرالي أو منح حكم ذاتي.

رحب كلاً من حزب الشعب الجمهوري (CHP) و حزب العدالة و التنمية (AKP) و حزب الديمقراطية و المساواة (DEM) بهذا القرار، كما أبدى حزب الشعب الديمقراطي (MHP) دعمًا أيضًا لهذا القرار ولكن دعماً حذرًا مؤكدًا ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي التركية.

كما قابل هذا القرار الترحيب من شتى الدول إلا أنه أثار قلق إسرائيل؛ حيث أعربت عن قلقها من أن يؤدي حل حزب العمال الكردستاني إلى تعزيز نفوذ تركيا في المنطقة مما قد يؤثر سلباً في  مصالحها في سوريا.

بينما يمثل قرار حل حزب العمال الكردستاني خطوة نحو إنهاء الصراع المسلح، إلا أن نجاحه يعتمد على تنفيذ الإصلاحات السياسية، وضمان نزع السلاح الكامل والتعامل مع التحديات الأمنية المحتملة.

إلى أي مدى ستستطيع الحكومة التركية تحقيق التوازن بين الأمن والاستقرار السياسي؟ هل ستلتزم جميع الأطراف بالعملية السلمية أم لا خصوصًا بعد رفض بعض المقاتلين في سوريا التخلي عن أسلحتهم؟!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا