
محمد دين جوهر
في قلب النقاشات الدينية المعاصرة، تبرز أزمة عميقة تتعلق بطبيعة التأويل الديني وحدود شرعيته وأثره في صياغة “الفكر الإسلامي” الحديث. هذه الأزمة لا تتعلق فقط بالنصوص بل تمتد إلى المنهج، إلى أدوات الفهم وإلى طبيعة العلاقة بين العقل والنقل.
ومن اللافت أن كثيرا مما يُقدَّم اليوم على أنه تجديد في الدين هو في حقيقته إما ارتجال تأويلي غير منضبط أو إعادة إنتاج لتأويلات قديمة أُلبست لباس الحداثة.
رغم كثافة الحديث عن “التأويل” و”التجديد” إلا أن سؤال التأويل لم يُعالج بعد من زاوية معرفية واضحة. ما زال الجدل قائما حول معنى التأويل ومدى مشروعيته وعلاقته بالنصوص الدينية الأصلية. وهذا الغموض يتفاقم حين تُفصل قضايا التأويل عن السؤال الجوهري: ما هو العلم؟ وما شروطه ومقوماته؟
في هذا السياق، تصبح المقارنة بين نصوص مثل “شرح العقائد النسفية” و”كتاب التوحيد” لمحمد بن عبدالوهاب و”تقوية الإيمان” لشاه إسماعيل ضرورية.
فهذه نصوص تدور في فلك العقيدة لكنها تنطلق من خلفيات متباينة. فهل هي جميعا تأويلات؟ وإذا كانت كذلك، فأين هي أصول التأويل التي استندت إليها؟ وإذا لم تكن، فهل نحن أمام نصوص “مؤسسة” أكثر من كونها “مؤولة”؟
إن ما يُطلق عليه اليوم “الفكر الإسلامي” هو في كثير من الأحيان تعبير عن خطاب انتقائي يفتقر إلى أي تصور عقلاني متماسك، سواء في الإطار الكلاسيكي أو الحديث.
لقد افتقد هذا الفكر إلى الأدوات العقلية والمنهجية الصارمة التي ميزت تراثنا في أصول الدين والفقه. الأولى ذات طبيعة معرفية (epistemological) والثانية ذات طبيعة تأويلية (hermeneutical) ومع ذلك لم نشهد محاولة جادة لإعادة وصلها بالعلوم والفلسفات الحديثة بطريقة علمية متوازنة.
الأخطر من ذلك أن “الفكر الإسلامي الحديث” بسبب انفصاله عن الأصول المنهجية الصلبة، تحول تدريجيا إلى فكر تكفيري في جوهره حتى وإن لم يصرّح بذلك. فالتكفير لا يعني فقط اتهام الآخر بالكفر بل يشمل أيضا إنكار مكونات مركزية من الدين والتراث، مثل: إنكار الحديث والفقه والتصوف والشعائر ومراتب العلم والتفسير والتراث الفقهي، بل وحتى التاريخ الإسلامي نفسه.
هذا النمط من التفكير لا يترك للدين جذوره المعرفية والاجتماعية ويُنتج خطابا عدميا لا يرى في الإسلام إلا “ما نفهمه نحن اليوم” وفق أدوات قاصرة ومرجعيات مفككة. ومن هنا تبدأ علاقة هذا الفكر بالإلحاد: فكلما ازداد التضييق في التأويل وكلما سقطت مرجعيات الفهم، كلما ازداد الانفصال بين الدين والواقع مما يفسح المجال لرفض الدين كله من الأساس.
إنّ الفكر الإسلامي الحديث بحاجة إلى مراجعة منهجية صارمة، لا تعتمد على الانبهار بالحداثة ولا على اجترار الماضي، بل تقوم على إعادة تأسيس العلاقة بين العقل والنص وبين التأويل والانضباط وبين التجديد والمرجعية.
ودون ذلك، سيبقى خطابنا الديني يدور في حلقة مفرغة من التكفير وينتج ردود أفعال قد تصل إلى الإلحاد ذاته كاحتجاج وجودي على فكر ديني بلا عقل ولا أفق.
االمقال باللغة الأردية وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة ثاقب احمد والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.