
ثاقب احمد
في ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة، نفذت إسرائيل عملية عسكرية جوية واسعة استهدفت منشآت نووية ومواقع عسكرية حساسة في عمق الأراضي الإيرانية. وقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أن العملية تهدف إلى “إزالة التهديد الوجودي الإيراني” واعدة بمواصلة الهجوم “لأي عدد من الأيام اللازمة لتحقيق هذا الهدف”. لكن ما يثير القلق ليس فقط حجم الضربة بل ما ستؤول إليه تداعياتها الإقليمية والدولية.
جاءت الضربة الإسرائيلية في لحظة جمود سياسي بين إيران والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني وبعد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران لم تلتزم باتفاقية منع الانتشار النووي.
ورغم نفي واشنطن مشاركتها في الضربة، فإن إيران تنظر إلى الولايات المتحدة وإسرائيل كجبهة واحدة مما يزيد من احتمالية الرد الإيراني الذي قد يستهدف مصالح أمريكية مباشرة أو عبر وكلاء مثل الحوثيين وحزب الله والمليشيات العراقية.
أحد الأسئلة المفصلية التي طرحها الخبراء هو ما إذا كانت الضربة مجرد إجراء تأخيري لمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية أم أنها بداية لاستراتيجية تهدف إلى إسقاط النظام أو “قطع رأس الأخطبوط” كما وصفته مصادر إسرائيلية. فاستهداف كبار القادة في الحرس الثوري وعلماء نوويين يُعدّ مؤشرا واضحا على نية أبعد من مجرد تدمير البنية التحتية النووية.
إلا أن إسقاط النظام في إيران قد لا يأتي بنتائج إيجابية لإسرائيل أو الغرب، إذ يحذر محللون من أن البديل لن يكون ديمقراطيا بالضرورة بل ربما نظام عسكري أكثر تطرفا تقوده فلول الحرس الثوري.
من منظور إيراني، فإن هذه الضربات قد تُفسَّر على أنها إعلان نهاية مرحلة “التردد النووي” وربما تدفع طهران إلى الإسراع نحو امتلاك السلاح النووي كوسيلة لضمان بقاء النظام كما فعلت كوريا الشمالية.
ومع مقتل قادة رفيعي المستوى مثل حسين سلامي، قائد الحرس الثوري، تواجه إيران أزمة قيادة أمنية وعسكرية قد تعطل قدرتها على الرد السريع لكنها ستزيد من حتمية الانتقام لاحقا ربما بعمليات غير متماثلة في الخارج.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يجد نفسه الآن أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما دعم إسرائيل عسكريا مما قد يجر بلاده إلى حرب إقليمية أو التمسك بسياسة الانعزال مما قد يؤدي إلى تآكل الثقة مع أهم حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
كما أن العلاقة الثنائية بين واشنطن وتل أبيب مهددة بخلل استراتيجي خاصة إذا ثبت أن إسرائيل تجاهلت تحذيرات أمريكية مسبقة ضد الضربة. وهذا قد يعيد رسم خريطة التحالفات في المنطقة لا سيما مع امتعاض الدول الخليجية من أي تصعيد غير منضبط.
بعيدًا عن المعادلات العسكرية والجيوسياسية، فإن المدنيين في المنطقة هم من سيدفعون الثمن الأغلى. ارتفاع أسعار الغذاء والوقود وانهيار سلاسل الإمداد وتدهور الأوضاع الإنسانية في دول مثل سوريا ولبنان واليمن، قد يفاقم من الأزمات المزمنة التي يعاني منها الملايين.
رغم أن إسرائيل حققت على ما يبدو نجاحا تكتيكيا في تأخير برنامج إيران النووي إلا أن استراتيجيتها تفتقر إلى رؤية واضحة لليوم التالي.
ما بعد الضربة لا يقل أهمية عن الضربة ذاتها. فبدون خطة دبلوماسية محكمة تضمن احتواء التصعيد وفتح نافذة للتفاوض، قد تجد إسرائيل والولايات المتحدة نفسيهما في دوامة حرب مفتوحة لا يعرف أحد كيف ستنتهي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.