آراء و مقالات

أحمد الجلبي خدع واشنطن… ونتنياهو يسعى لتكرار السيناريو

صورة: AFP

حامد مير
صحفي باكستاني و محلل سياسي

في أبريل من عام 2003، اجتاحت القوات الأمريكية بغداد وأسقطت نظام الرئيس العراقي صدام حسين مستندة إلى ادعاءات بامتلاك العراق أسلحة دمار شامل. دخلتُ العراق حينها عبر الأردن ضمن فرق إعلامية من شبكة “جيو نيوز” الباكستانية والـ “بي بي سي“. كنا نبحث عن أدلة تؤكد امتلاك العراق للأسلحة المحظورة إلا أن الحقيقة سرعان ما ظهرت: لا وجود لتلك الأسلحة.

خلال تغطيتنا من فندق فلسطين في بغداد، أجريتُ مقابلة مع ضابط أمريكي وسألته بشكل مباشر عن الأسلحة فأجاب بالنفي مؤكدا أن العثور عليها مسألة وقت فقط. لكن الصحفي البريطاني المخضرم روبرت فيسك الذي كان حاضرا حينها، صرّح لي بثقة أن “أسلحة الدمار الشامل” (WEAPONS OF MASS DESTRUCTION) مجرد أكذوبة ضخمة وصنيعة سياسية تبرر الغزو.
كان فيسك يعتبر أحمد الجلبي المعارض العراقي المدعوم من واشنطن، أحد مهندسي تلك الخدعة، واصفا إياه بـ”المحتال الدولي” الذي يشبه في سلوكه بنيامين نتنياهو.

وبالفعل، عقد الجلبي مؤتمرا صحفيا آنذاك ليؤكد أن أسلحة صدام ستُكشف قريبا. لكن ما حدث لاحقا أكد صدق رؤية فيسك: لم يُعثر على شيء، وتحول الجلبي من “صوت المعارضة” إلى وزير للنفط ثم نائب لرئيس الوزراء قبل أن يُطرد لاحقًا بسبب تواصله مع إيران.

وفقا لفيسك، فإن الرواية التي بُنيت عليها الحرب على العراق كان لبنيامين نتنياهو دور رئيسي في صناعتها. ففي سبتمبر 2002، قدّم نتنياهو شهادة أمام الكونجرس الأمريكي مدعيا أن صدام حسين يمتلك أسلحة تهدد العالم بأسره. كان الهدف واضحا: تمهيد الطريق لغزو العراق وخلط الأوراق في المنطقة لصالح إسرائيل.

اليوم، وبعد عقدين من ذلك المشهد يبدو أن السيناريو يعيد نفسه لكن هذه المرة مع إيران. عاد نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية أكثر من مرة محاطا بدعم غير محدود من اللوبي الصهيوني العالمي ومهووسا بفكرة “إسرائيل الكبرى” التي تبناها والده المؤرخ الصهيوني بنزيون نتنياهو.

منذ عام 2009، جعل نتنياهو من البرنامج النووي الإيراني قضية وجودية. لم يكتفِ بالتحريض السياسي بل اتهمته تقارير بتنفيذ عمليات اغتيال لعلماء نوويين إيرانيين عبر “الموساد”. ورغم المعارضة الأمريكية أحيانا ظلّ مصمما على استدراج واشنطن إلى مواجهة مباشرة مع طهران.

في الثالث عشر من يونيو الجاري، شنّت إسرائيل هجوما على أهداف إيرانية قبل يومين فقط من الجولة السادسة لمفاوضات أمريكية-إيرانية كانت ستُعقد في مسقط. تقول مصادر إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حاول ثني نتنياهو عن الهجوم لكنه أصرّ معتقدا أن إيران لن ترد. إلا أن الرد الإيراني كان مزلزلا وفاجأ الإسرائيليين بقوته ودقته مما ألحق ضررا كبيرا بصورة إسرائيل العسكرية وهيبتها الإقليمية.

لقد أعاد هذا التصعيد إلى الأذهان تحذيرات روبرت فيسك الذي سبق أن قال إن نتنياهو يستخدم أمريكا لتصفية حساباته مع إيران تماما كما استُخدمت واشنطن سابقا لإسقاط صدام حسين استنادا إلى “كذبة الجلبي“.

ما يدعو للقلق اليوم هو أن إخضاع إيران – إن حدث – لن يكون نهاية المطاف. هناك من يرى أن إسرائيل مدعومة بتقاطع مصالحها مع الهند بزعامة ناريندرا مودي قد توجّه بوصلتها لاحقًا نحو باكستان تحت ذرائع مختلفة تماما كما حدث في الحالة العراقية.

من هنا، تبرز أهمية التماسك الإسلامي والسياسي في مواجهة هذا النوع من المغامرات الإقليمية. وفي ظل تصاعد التوتر، أعلنت دول كبرى في العالم الإسلامي مثل باكستان والسعودية دعمها لحق إيران في الرد والدفاع، في رسالة واضحة بأن الانقسام لم يعد مقبولا وأن عصر الحروب الوقائية باسم “الأمن القومي الإسرائيلي” قد ولى.

ربما كانت كلمات روبرت فيسك ذات يوم مجرد تحذيرات صحفية لكن ما يجري على الأرض اليوم يمنحها صفة النبوءة. لقد أسقط الجلبي العراق بخداعه وها هو نتنياهو يحاول دفع المنطقة نحو كارثة إقليمية أخرى مستغلا الخوف الأمريكي من إيران.

لكن الرد الإيراني الأخير غيّر قواعد اللعبة وأثبت أن من يزرع الغطرسة قد يحصد الصواريخ.

االمقال باللغة الأردية نشره موقع “Geo News” وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة ثاقب احمد والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا