
د. محمد محسن أبو النور
رئيس ومؤسس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب
في لحظة مفصلية من تاريخ المنطقة، شهد العالم فجر الجمعة 13 يونيو 2025، ما يمكن وصفه بأنه زلزال جيواستراتيجي تمثل في الهجوم الإسرائيلي على أهداف داخل إيران في عملية عُرفت باسم “الأسد الصاعد“.
لكن خلف هذا الاسم الرنان تختبئ حرب أمريكية مكتملة الأركان تُدار بأياد إسرائيلية لا تستهدف فقط تغيير سلوك طهران بل إسقاط النظام نفسه وربما اغتيال رمزه الأكبر: المرشد علي خامنئي.
هذه ليست مواجهة تقليدية بين خصمين إقليميين بل صراع شامل يُراد له أن يعيد رسم خرائط النفوذ ويعيد ترتيب النظام العالمي من جديد.
الهجوم الإسرائيلي لم يكن إلا رأس جبل الجليد، والمشهد الحقيقي يدور في غرف العمليات السياسية الأمريكية. فالمخطط يتجاوز الردع إلى الإزاحة ويتجاوز المواجهة إلى التصفية.
إدارة ترامب التي رفعت شعار “لنجعل أمريكا عظيمة مجددا” تسعى عبر هذه الحرب المركبة إلى استعادة هيمنتها العالمية بدءا من إسقاط خصومها في غرب آسيا.
إيران، باعتبارها العقدة الأصعب في المشروع الأمريكي، تقف حاليا في وجه ما يشبه الإجماع الغربي ـ الإسرائيلي على ضرورة تصفيتها سياسيا واستراتيجيا، ليس فقط لأنها تهدد أمن إسرائيل ولكن لأنها تعيق استكمال السيطرة الأمريكية على الشرق الأوسط وتمنح لخصوم واشنطن مثل روسيا والصين موطئ قدم في عمق الإقليم.
التحرك الأمريكي بدأ تدريجيا عبر فرض عقوبات اقتصادية خانقة وتوظيف الترويكا الأوروبية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) لعزل طهران دوليا ثم تصعيد العمل الاستخباراتي باستهداف شخصيات مركزية كقاسم سليماني ومحسن فخري زاده. بالتوازي، تولّت إسرائيل تنفيذ ضربات ميدانية استهدفت شركاء إيران الإقليميين في اليمن ولبنان والعراق وغزة وبلغت ذروتها بإسقاط نظام الأسد في سوريا بحلول ديسمبر 2024.
المرحلة الجديدة والتي دشنتها عملية “الأسد الصاعد” تهدف إلى تقويض الدفاعات الجوية والصاروخية الإيرانية ومنعها من بلوغ العتبة النووية تمهيدا لإنهاك البنية العسكرية والنفسية للدولة الإيرانية.
لكن الأخطر من ذلك كان التحول الذكي نحو استثمار الانقسام الداخلي في إيران. عبر المفاوضات النووية سعت واشنطن إلى ضرب النخب ببعضها وتأجيج الصراع بين المحافظين والإصلاحيين مستفيدة من الخلافات حول طرق مواجهة الضغوط الغربية ومروجة لبديل ملكي جاهز في واشنطن: رضا بهلوي نجل الشاه السابق.
غير أن طهران فاجأت الجميع. فبعد الضربة الإسرائيلية الأولى التي كانت تهدف لإرباك النظام عادت القيادة الإيرانية بسرعة إلى السيطرة وبدأت هجمات صاروخية أربكت الداخل الإسرائيلي وأدخلت المجتمع في حالة ذعر استثنائية. والأهم، أن الشارع الإيراني، على اختلاف توجهاته تجاوز لحظات الانقسام وتوحد خلف قيادته مطالِبا بالثأر لكرامة الوطن.
هذه اللحظة الوطنية كشفت عن أن إيران ليست مجرد نظام بل دولة عميقة ومجتمع متماسك عند الخطر وأن عملية تفتيتها ليست بهذه السهولة التي راهن عليها الغرب.
من الواضح أن المخطط الأمريكي – الإسرائيلي لم يصل إلى ذروته بعد. فالمعطيات تشير إلى أن الهدف النهائي يتمثل في اغتيال المرشد علي خامنئي باعتباره الصخرة التي تتحطم عليها كل محاولات الانهيار الداخلي.
وأي فراغ في هذا الموقع قد يفتح المجال أمام فوضى سياسية تُوظف لإعادة هندسة إيران من الداخل وربما تقسيمها إلى خمس دويلات إثنية وطائفية.
لكن هذا السيناريو، على جاذبيته لأصحاب القرار في واشنطن وتل أبيب، يواجه مقاومة صلبة ليس من النظام وحده بل من الدولة الإيرانية والمجتمع ذاته وهو ما يجعل نتائجه غير مضمونة في المدى القريب.
المعركة لم تنتهِ وربما لم تبدأ بعد بكل قوتها. الولايات المتحدة ماضية في تنفيذ مشروعها الإمبراطوري، وإيران ترد بما تملك من أوراق قوة وصبر استراتيجي.
المشهد معقد لكن المؤكد أن ما يجري ليس صراعا بين طهران وتل أبيب فقط بل هو اختبار تاريخي لإعادة تشكيل الإقليم وقد يكون بداية النهاية للنظام العالمي كما نعرفه.
في النهاية، من يكتب الفصل الأخير في هذا الصراع؟ أمريكا بنفوذها ودهائها؟ أم إيران بصبرها وثباتها؟
وإلى أن تُكتب الخاتمة… علينا أن نترقب المشهد بدقة ونقرأ ما بين السطور.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.