آراء و مقالات

نهاية الهيبة: هل سقطت أسطورة الردع الأمريكي أمام إيران؟

تعبيرية (trendsresearch)

أمين جلال

في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة التوترات في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، يبرز سؤال جوهري: هل بدأت ملامح النظام العالمي في التحول (Power Shift)؟ وهل ما نشهده اليوم هو بداية نهاية الهيمنة الأمريكية كما نعرفها؟

الردع، في جوهره، لا يعتمد فقط على القوة العسكرية بل على الإدراك العام لتلك القوة. والظاهر أن إيران، عبر سلسلة من الرسائل المباشرة وغير المباشرة، نجحت في كسر صورة الردع المرتبطة بالولايات المتحدة. فما كان يُنظر إليه سابقا كقوة لا تُقهر بات اليوم عُرضة للتحدي بل وربما للاهتزاز.

لقد انزلقت واشنطن -بعد تورطها المكلف في أوكرانيا- إلى ساحة جديدة للصراع هذه المرة مع طهران. لكن المختلف في هذا المشهد هو أن أمريكا لا تواجه خصما مباشرا فحسب بل تدخل في مواجهة مع منظومة إقليمية ودولية تدعم إيران ضمنيا أو على الأقل تقف موقف المتفرج الحذر.

في هذه الحرب المحتملة، لن تستنزف واشنطن مخازن أسلحتها فقط بل ستتكبد خسائر اقتصادية فادحة. ومع اتساع رقعة المواجهة، يبدو أن إيران تراهن على استنزاف الإرادة الأمريكية وليس فقط ترسانتها. وحين تتوقف هذه الحرب، إذا توقفت، قد نجد أنفسنا أمام مشهد دولي مختلف حيث لم تعد أمريكا القوة التي تُخيف الجميع.

ليس هذا فحسب، بل إن الرموز العسكرية التي لطالما اعتمدت عليها واشنطن في ترسيخ هيبتها – كالقاذفة B-2 وطائرة F-35 – باتت اليوم مهددة بالسقوط في ساحات الصراع. وهذا ليس مجازا بل احتمال واقعي يفتح الباب أمام انهيار الصورة الذهنية للسلاح الأمريكي المتفوق.

الخطر الأكبر يكمن في رد الفعل الأمريكي المحتمل. فالتاريخ لا يخلو من أمثلة على قرارات متهورة اتُخذت تحت ضغط الهزيمة أو الخوف من فقدان السيطرة. وقد يُخشى أن تندفع واشنطن نحو سيناريو كارثي يكرر مأساة هيروشيما وناجازاكي في لحظة فقدان للعقل السياسي.

وسط كل هذا، تبرز مفارقة صادمة: صمت القوى الليبرالية والديمقراطية التي لطالما تحدثت باسم العدالة وحقوق الإنسان. لماذا لا تدافع هذه القوى عن حق إيران في الدفاع عن وجودها كما تدافع عن إسرائيل؟ أليس من الإنصاف القول إن من حق كل دولة، مهما كانت عقيدتها أو موقعها، أن تضمن أمنها؟

الولايات المتحدة، وهي تخوض صراعا لحماية نظام ديني في إسرائيل تجد نفسها في مواجهة مع نظام ديني في إيران. هذه المفارقة تكشف تناقضا سياسيا صارخا ينسف كل الخطابات التي روّجت لها واشنطن لعقود طويلة باسم الحرية والديمقراطية.

ربما يكون “مبدأ ترامب” – الذي أزال القناع عن الوجه الأمريكي – هو من كشف هذا الواقع بوضوح. فالعالم لم يعد يرى أمريكا كمنقذ بل كقوة عظمى تحارب للحفاظ على نفوذها ولو على حساب المبادئ التي تتغنّى بها.

نحن أمام مرحلة مفصلية في التاريخ الحديث. وقد يكون انهيار “المهابة الأمريكية” هو بداية لتشكّل نظام عالمي جديد لا تتحكم فيه قوة واحدة بل توازنات متشابكة (Multipolar World) تعكس مصالح متعددة ورؤى متباينة لعالم ما بعد أمريكا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا