
حسن محمود
أثارت الضربات الجوية التي نفذتها الولايات المتحدة مؤخرا على منشآت نووية إيرانية ردود فعل متباينة على المستويين الدولي والإقليمي.
فبينما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن العملية شكّلت “نجاحا عسكريا باهرا”، رأى محللون أن تداعيات هذه الهجمات قد تكون أبعد أثرا مما تصوّره واشنطن وربما تفتح الباب على مصراعيه أمام عودة البرنامج النووي الإيراني بوتيرة أسرع وبموقف أكثر تشددا.
استهدفت العملية الأمريكية ثلاث منشآت رئيسية: نطنز وفوردو وأصفهان، حيث استخدمت فيها واشنطن قاذفات B-2 الاستراتيجية وأسقطت 14 قنبلة خارقة للتحصينات من طراز GBU-57 في هجوم يعتبر الأضخم من نوعه منذ عقود. ورغم أن صور الأقمار الصناعية أظهرت دمارا واضحا في مواقع مثل فوردو الواقعة تحت جبل بعمق يتجاوز 80 مترا إلا أن الخبراء يؤكدون أن التدمير المادي لا يعني بالضرورة نهاية المشروع النووي الإيراني.
يقول محللون غربيون: إن الهجوم نجح في إلحاق أضرار فنية بمنشآت التخصيب لكنه لم يمس جوهر البرنامج النووي: المعرفة والتكنولوجيا والشبكة البشرية. هذه العناصر هي التي تمثل العمود الفقري لأي مشروع نووي وإذا بقيت قائمة فإن إعادة البناء تصبح مسألة وقت وإرادة سياسية.
في الداخل الإيراني، قوبلت الضربات بتصعيد في الخطاب السياسي لا سيما من قبل التيار المحافظ الذي طالما دعا إلى امتلاك سلاح نووي كوسيلة ردع. وأكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مؤتمر دولي بإسطنبول، أن معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT) “فشلت في حماية الدول الملتزمة بها” مشيرا إلى أن بقاء إيران في الاتفاق أصبح موضع إعادة نظر.
هذه التصريحات لم تكن فردية بل ترددت أصداؤها داخل البرلمان الإيراني حيث دعا نواب إلى إعادة النظر في علاقة إيران بالمعاهدات الدولية في ظل ما وصفوه بـ”العدوان الأمريكي المفتوح”.
القلق الأكبر لا يتعلق فقط بالمواقع المستهدفة بل بالمواد النووية التي كانت إيران قد أنتجتها خصوصا اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وهي نسبة قريبة جدا من العتبة اللازمة لإنتاج قنبلة نووية. وتشير تقارير إلى أن بعض المنشآت قد “أُخلِيت” قبيل الضربات مما يفتح باب الشكوك حول وجود مخازن نووية بديلة غير معروفة للمفتشين الدوليين.
يرى بعض المحللين أن واشنطن ربما حققت نصرا تكتيكيا سريعا لكنها في المقابل أغلقت باب الحوار ودفعت إيران إلى موقع أكثر عدائية. فبدلا من كبح البرنامج النووي الإيراني قد تكون الضربات قد أعطته دفعة سرية جديدة خارج الإطار الرقابي الدولي.
وفي هذا السياق، قال دبلوماسي أوروبي لقناة CNN: “لقد كانت محادثاتنا مع إيران تمثل فرصة نادرة للتهدئة… ولكن واشنطن أغلقت هذه النافذة بالكامل.”
المخاوف لا تقتصر على مستقبل إيران النووي فقط بل تشمل ردود الفعل المتوقعة. فإيران قد تلجأ للرد عبر استهداف قواعد أمريكية في الخليج أو شن عمليات بالوكالة ضد مصالح غربية أو حتى زعزعة الملاحة في مضيق هرمز. ومع تصاعد حدة التوتر، يبدو أن المنطقة مقبلة على مرحلة بالغة الخطورة يكون فيها التصعيد أكثر احتمالا من التهدئة.
الضربة الأمريكية، وإن بدت حاسمة في بعدها العسكري، إلا أنها قد تكون بداية مرحلة جديدة أكثر تعقيدا في المشهد النووي الإيراني. فبينما تُعلن واشنطن انتصارها تعيد طهران تموضعها وربما تعيد بناء مشروعها بأسلوب أكثر سرية وأقل خضوعا للمراقبة.
وفي غياب قنوات دبلوماسية فعالة، يبدو أن العالم قد دخل في جولة جديدة من سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط تقف فيه إيران على مفترق حاسم بين الردع والانفجار.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.