
فريق UrKish News
في الوقت الذي تعلن فيه الصين “قلقها العميق” من تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، تشير الدلائل إلى أنها في الواقع قد تكون المستفيد الأكبر من هذه الفوضى. فعلى مدار أكثر من عقدين، ساعد انشغال الولايات المتحدة بالحروب في تمهيد الطريق لصعود الصين كقوة صناعية واقتصادية عظمى.
منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، دخلت الولايات المتحدة في سلسلة متواصلة من الحروب بدأت بـ”الحرب على الإرهاب” ثم غزت أفغانستان والعراق وتورطت في النزاعات بسوريا واليمن وليبيا. وبعد سنوات من النزيف العسكري والاقتصادي، تجد نفسها اليوم أمام احتمال مواجهة جديدة مع إيران.
الرئيس دونالد ترامب الذي رفع شعار “لا مزيد من الحروب” خضع في النهاية لضغوط المؤسسة العسكرية والتحالفات التقليدية وعلى رأسها إسرائيل. وبينما يُستنزف الاقتصاد الأمريكي في نزاعات خارجية، تستمر الانقسامات الداخلية في التعمّق كما حدث بعد انتخابات 2020 وأحداث اقتحام الكابيتول.
في المقابل، تتبع بكين نهجا مختلفا تماما: تكريس الجهود لبناء التحالفات الاقتصادية وتعزيز القدرات الصناعية والعسكرية دون الدخول في صراعات. المثال الأبرز على ذلك كان قمة “الصين وآسيا الوسطى” الأخيرة في أستانا حيث وقّع الرئيس الصيني شي جين بينغ مع قادة خمس دول في آسيا الوسطى معاهدة “حسن الجوار والتعاون الدائم” مؤكدين التزامهم بـ”الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة”.
وبينما كان قادة مجموعة السبع يتبادلون الاتهامات والتوترات في قمتهم الأخيرة بكندا، كانت الصين تكرس نفسها لبناء شراكات استراتيجية هادئة ومستقرة.
التاريخ العسكري يكشف أن الحروب كانت تُشن في السابق من أجل الغنائم والعبيد. لكن في عالم اليوم، لم تعد الحروب تؤدي إلا إلى إضعاف الدول التي تخوضها لا سيما إذا كانت غير مبررة أو طويلة الأمد أو مدمرة للمدنيين.
الحرب في العراق استنزفت الموارد وسمعة واشنطن وأفغانستان انتهت بخروج مُذل. الحرب الروسية في أوكرانيا دمرت الاقتصاد الروسي وحرب إسرائيل في غزة تسببت في عزلة دولية متزايدة. أما إيران، فإنها تواجه ضغوطا داخلية ودولية بسبب استمرارها في تخصيب اليورانيوم ورفض الحلول الدبلوماسية.
النتيجة: دولة تلو الأخرى تخرج أضعف من مغامراتها العسكرية. لكن الدولة الوحيدة التي تزداد قوة في الظل، هي الصين.
العام 2018 شكّل نقطة تحول مهمة في مسار الصراع غير المعلن بين أمريكا والصين. فاعتقال “منغ وانزو” المديرة المالية لهواوي في كندا بناءً على طلب أمريكي مثّل صدمة للصينيين. أعقبه فرض واشنطن قيودا مشددة على تصدير أشباه الموصلات إلى بكين، وفق تقرير نشره موقع “ABC“.
لكن رد الصين لم يكن انفعاليا بل استراتيجيا. بدأت في ضخ استثمارات ضخمة لبناء صناعة شرائح إلكترونية محلية وتوسيع صناعتها التكنولوجية والعسكرية. كما وجّهت البنوك إلى وقف تمويل العقارات وتحويله بالكامل إلى القطاع الصناعي في خطوة أعادت تشكيل الاقتصاد الصيني من الداخل.
اليوم، بعد سبع سنوات فقط من ذلك الحظر تمتلك الصين مجمعا صناعيا تكنولوجيا عسكريا متماسكا دون أن تُطلق رصاصة واحدة خارج حدودها.
بلغت تكلفة الحروب الأمريكية ما يزيد على 6 تريليونات دولار لكنها لم تحقق سوى التآكل الاقتصادي والانقسام الداخلي وفقدان الهيبة الدولية. واليوم، تحاول واشنطن إعادة بناء قاعدتها الصناعية عبر فرض رسوم جمركية وخوض حروب تجارية جديدة بعدما تم إلغاء قانون “خفض التضخم” الذي كان يهدف لدعم الصناعات الخضراء.
أما الصين فتعلمت من التجربة الأمريكية. تدرك بكين أن الحروب تُضعف حتى أعظم الإمبراطوريات وأن التفوق الاقتصادي والتكنولوجي يمكن أن يتحقق في صمت وبعلاقات دبلوماسية مدروسة.
تبقى مسألة تايوان إحدى النقاط الشائكة. ورغم التوتر المستمر، فإن من غير المرجح أن تُقدم الصين على غزو مباشر إدراكا منها بأن تدمير اقتصاد الجزيرة سيُفقدها قيمة الجائزة. قد تلجأ إلى الحصار أو الضغوط لكنها تتجنب السيناريو العسكري مستفيدة من مشاهد الدمار التي لحقت بالدول التي خاضت حروبا في السنوات الماضية.
فيما تواصل الولايات المتحدة الإنخراط في نزاعات مكلفة ومُنهِكة، تُراكم الصين القوة والنفوذ بهدوء. لا تُطلق الصواريخ بل تُوقّع الاتفاقيات. لا تنفق على الجيوش في الخارج بل تستثمر في الشرائح الذكية والتكنولوجيا. وبينما تنشغل واشنطن بالحروب تتقدم بكين بخطى واثقة نحو القمة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.