
في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه العالم في مجالات الطاقة والتغير المناخي، تتجه الأنظار نحو مصادر الطاقة المتجددة وفي مقدمتها الطاقة الشمسية. وبينما كانت خلايا السيليكون تتصدر المشهد لعقود ظهرت مادة جديدة تُدعى “البيروفسكايت” (Perovskite) لتغير قواعد اللعبة وتطرح نفسها كمنافس جاد وربما بديل ثوري.
لطالما اعتمدت الألواح الشمسية على السيليكون وهو شبه موصل أثبت فعاليته في تحويل ضوء الشمس إلى كهرباء. وتراوحت كفاءة خلاياه الكهروضوئية بين 17% و19% في النماذج التقليدية بينما وصلت إلى 23% في الخلايا المتقدمة. إلا أن التحدي الأكبر بقي دائما في كيفية رفع كفاءة التحويل دون رفع التكاليف.
في عام 2009، اكتشف العلماء أن معدن البيروفسكايت – وهو مركب يحتوي على عناصر مثل أكسيد الكالسيوم والتيتانيوم – يمكن استخدامه لصناعة خلايا شمسية. ومنذ ذلك الحين، شهدت كفاءة خلايا البيروفسكايت قفزة غير مسبوقة حيث ارتفعت من 2.8% إلى 27.7% في المختبرات خلال 15 عاما فقط، وفقا لمعهد الطاقة الشمسية بجامعة مدريد التقنية.
وتُعد جامعة أكسفورد من أبرز المؤسسات التي تقود هذا التقدم إذ نجح فريق من الباحثين في تطوير مادة بيروفسكايت فائق الرقة – أرق بـ150 مرة من السيليكون – استطاعت تحقيق كفاءة تجاوزت 27% وتم اعتماد النتائج من قبل المعهد الوطني الياباني للعلوم والتكنولوجيا الصناعية المتقدمة، بحسب تقرير نشره موقع “Moeve“.
إلى جانب الكفاءة العالية، يتميز البيروفسكايت بعدة خصائص تجعله خيارا واعدا لتقنيات الطاقة الشمسية المستقبلية. فخلايا هذه المادة تُصنّع من مواد أقل تكلفة من السيليكون ويمكن تشكيلها في صورة أفلام رقيقة وخفيفة الوزن ما يسمح بتركيبها على أسطح السيارات وواجهات المباني والنوافذ بل وحتى الأجهزة الذكية.
ورغم أن البعض يرى البيروفسكايت بديلا للسيليكون، فإن الاتجاه الأبرز حاليا هو دمجهما معا في خلايا تُعرف بـ”الترادف” حيث توضع طبقة من البيروفسكايت فوق طبقة من السيليكون. وتُظهر هذه الخلايا أداءً متقدما بفضل قدرتها على التقاط نطاق أوسع من أطياف الضوء. وقد سجّلت شركة “لونغي” الصينية رقما قياسيا عالميا جديدا بكفاءة بلغت 34.85%، وفقا لتوثيق المختبر الوطني الأمريكي للطاقة المتجددة.
ومع ذلك، تظل المتانة تمثل التحدي الأكبر أمام خلايا البيروفسكايت، إذ إنها عرضة للتلف بفعل التعرض الطويل لأشعة الشمس مما يحد من عمرها الافتراضي. غير أن جهود البحث مستمرة لتجاوز هذا العائق. فقد أعلن باحثون من جامعة قرطبة الإسبانية بالتعاون مع معهد جورجيا للتكنولوجيا عن نجاحهم في الحفاظ على أداء الخلايا بعد تعرّضها لألف ساعة من الضوء المستمر من خلال تعديل هندسي دقيق.
في حال نجحت هذه الجهود في تعزيز استقرار خلايا البيروفسكايت، فإنها قد تمثل تحولا جذريا في صناعة الطاقة الشمسية وتُسهم في تسريع الانتقال إلى مصادر طاقة أكثر كفاءة واستدامة في عالم يزداد طلبه على الكهرباء النظيفة.
Web Desk