آراء و مقالات

لماذا يرى اليمين الأمريكي في إسرائيل رمزا لمستقبل استعماري مأمول؟

متظاهرون مؤيدون لإسرائيل يرفعون الأعلام الأمريكية والإسرائيلية في نيويورك. (Reuters)

أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلا واسعا بعد استخدامه كلمة “شيلوك” في أحد خطاباته بولاية أيوا وهو مصطلح يُعتبر معاديا لليهود مستمد من مسرحية شكسبير تاجر البندقية.
ورغم محاولته التبرير بأنه لم يكن على دراية بالدلالات إلا أن الحادثة جاءت لتؤكد نمطا متكررا داخل حركة “ماغا” (Maga – لنجعل أمريكا عظيمة مجددا) التي ارتبطت بخطابات وشخصيات لها صلات باليمين المتطرف وإنكار المحرقة.
والمفارقة أن هذه الحركة نفسها تُعتبر من أشد المدافعين عن إسرائيل حيث وقّع ترامب أوامر تنفيذية بدعوى محاربة معاداة السامية استُخدمت عمليا لاستهداف طلاب ونشطاء مؤيدين لفلسطين.

هذا التناقض بين نزعات معادية لليهود وتحالف استراتيجي مع إسرائيل دفع المحللين للبحث عن تفسير أعمق. ويُطرح عادة دور جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل وتأثير المسيحيين الصهاينة الذين يرون في إسرائيل مسرحا لنبوءات توراتية. لكن هذه العوامل لا تكفي وحدها لفهم شدة الارتباط الأيديولوجي بين ماغا وإسرائيل.

في العمق، لا يتعلق الأمر فقط بالسياسة الانتخابية أو الدين بل بمشروع أوسع لمحو دروس التاريخ الاستعماري. فبالنسبة لأنصار ماغا، تمثل إسرائيل الاستثناء التاريخي الأخير، أي المشروع الاستيطاني الأوروبي الذي بقي صامدا رغم انهيار الإمبراطوريات وصعود حركات التحرر الوطني.
ومن هنا يصبح الدفاع عنها دفاعا عن شرعية الاستعمار نفسه ومحاولة لإعادة تقديم السيطرة على الأراضي بالقوة باعتبارها فعلا حضاريا لا جريمة تاريخية.

الحنين في خطاب ماغا لا يرتبط فقط بخمسينيات القرن العشرين كما يُظن بل يعود إلى القرن التاسع عشر، زمن التوسع الإمبراطوري الأوروبي-الأمريكي.
لم يكن صدفة أن يضع ترامب في مكتبه صورة للرئيس جيمس ك. بولك الذي قاد أكبر توسع إقليمي في تاريخ الولايات المتحدة بعد الحرب مع المكسيك. بالنسبة لأنصار ماغا، كان ذلك الزمن عصر النظام والازدهار قبل أن تعصف به موجة التحرر الوطني بعد الحرب العالمية الثانية.

إسرائيل بدورها تلعب دورا رمزيا مزدوجا: فهي من جهة تعويض رمزي عن المحرقة يتيح للغرب تخيّل نفسه كقوة منصفة ومن جهة أخرى وسيلة لتجاهل الجرائم الاستعمارية الأخرى التي أودت بحياة ملايين البشر، من الكونغو والهند إلى السكان الأصليين في الأمريكيتين. بدل مواجهة هذه الحقائق، يتركز الخطاب الغربي على فلسطين باعتبارها ساحة الذاكرة الوحيدة المفتوحة.

فلسطين في هذا السياق مرآة أخيرة تكشف الماضي الاستعماري للغرب. ولأنها الاستثناء الوحيد الذي لم يشهد عملية إنهاء استعمار حقيقية، فإن الاعتراف بإسرائيل كدولة استيطانية يعني نسف السردية الغربية التي تسعى لتصوير الاستعمار كمرحلة حضارية. ومن هنا يصبح إسكات الفلسطينيين ومن يتضامن معهم ضرورة في منطق ماغا، لا لأنهم على خطأ بل لأنهم يتذكرون. والتذكر هو التهديد الأكبر للمشروع الإمبراطوري الغربي.

ظاهرة الحنين إلى الماضي الاستعماري لا تقتصر على الولايات المتحدة. فروسيا بوتين أعادت رسم حدودها بالقوة عبر غزو أوكرانيا وبولسونارو في البرازيل أشاد بسلاح الفرسان الأمريكي ونفى الإبادة بحق سكان الأمازون الأصليين وحتى مسؤولون أمريكيون بارزون تحدثوا عن “عالم متعدد القوى” يعيد إنتاج التنافس الإمبريالي في القرن التاسع عشر.

الخلاصة أن تحالف ماغا مع إسرائيل ليس مفارقة بقدر ما هو مشروع أيديولوجي متكامل لإعادة شرعنة الاستعمار وتبرير جرائمه وإسكات الأصوات التي تذكّر بها. إنها معركة على التاريخ أكثر منها على الجغرافيا وفلسطين تبقى المرآة التي تكشف الحقيقة.
ولأن هذه المرآة تهدد الأساطير التي يقوم عليها المشروع الإمبراطوري فلا بد – في منطق ماغا – من تحطيمها.

المقال باللغة الإنجليزية نشره موقع MEE البريطاني وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة أمينة أحمد والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا