آراء و مقالات

لماذا أخفقت الهند في التحول إلى قوة إقليمية رغم نمو اقتصادها؟

تعبيرية (ThePrint)

العالم يشهد اليوم تحولات عميقة تعيد صياغة توازنات القوى الدولية وهو ما يفتح الباب أمام تساؤل محوري: ما انعكاسات هذه التغيرات على مستقبل الصراع بين باكستان والهند وكيف سيتحدد موقع كل دولة في النظام العالمي الجديد؟

منذ الاستقلال، عانت باكستان من أزمات سياسية واقتصادية داخلية لكنها في المقابل تميزت بسلوك خارجي متزن يقوم على رؤية استراتيجية بعيدة المدى. هذا التوازن مكّنها من اتخاذ خطوات حاسمة أثمرت لاحقا نتائج إيجابية رغم أنها بدت في وقتها مثيرة للجدل.
أبرز مثال على ذلك علاقاتها مع الصين. فمع نجاح الثورة الماوية عام 1949، كانت باكستان أول دولة تعترف بالصين الجديدة وكانت الخطوط الجوية الباكستانية أول ناقل جوي دولي يهبط في بكين.
كما حسمت نزاعها الحدودي مع الصين باتفاق تفاهمي تنازلت فيه عن وادي شاكسجام (Shaksgam Valley) بمساحة 5180 كيلومترا مربعا لكنها أدرجت بندا يربط إعادة النظر في الاتفاق بحل قضية كشمير. هذه الخطوة عززت ثقة بكين في إسلام آباد ورسخت علاقة استراتيجية استمرت لعقود.

لم تتوقف العلاقة عند حدود الجوار. فقد لعبت باكستان دورا محوريا في فتح قنوات الاتصال بين الصين والولايات المتحدة في السبعينيات. زيارة هنري كيسنجر السرية إلى بكين ثم زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون التاريخية كانت كلها بترتيب باكستاني.
تلك الاتصالات فتحت الجامعات الأمريكية أمام الطلبة الصينيين. واشنطن عقدت رهانا خاطئا، إذ توقعت أن الطلاب الصينيين العائدين من جامعاتها سيصبحون معارضين للنظام. لكن النتيجة جاءت معاكسة إذ عاد هؤلاء الطلاب ليلعبوا دورا رئيسيا في بناء الصين الحديثة، القوة التي تنافس أمريكا اليوم.
المثير أن هذا التحول الاستراتيجي ارتبط بقرارات اتخذها الجنرال يحيى خان، أحد أكثر الحكام جدلا في تاريخ باكستان.

في المقابل، ورثت الهند سياسة متشددة تجاه الصين استندت إلى اتفاقات استعمارية باطلة، أبرزها اتفاق أروناشل براديش الذي أبرمته بريطانيا مع التبت. عندما أثارت بكين هذه القضايا بعد تأسيس الجمهورية الشعبية، رفضت نيودلهي أي تسوية فخسرت حرب 1962 وفقدت منطقة أكساي تشين (Aksai Chin). النهج نفسه تكرر لاحقا.
المواجهات الحدودية الأخيرة في 2019 و2020 انتهت بفضائح للجيش الهندي حيث تعرض جنوده لهزيمة بالعصي. واليوم تجد الهند نفسها أمام قوة صينية صاعدة من دون أن تمتلك أوراق توازن أو تحالفات استراتيجية تعادل الموقف.

هذه المسارات المختلفة تفسر الوضع الراهن. الصين لم تنس مواقف باكستان على مدى 75 عاما ولهذا خصصت لها موقعا خاصا في مبادرة الحزام والطريق عبر “الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني” وهو امتياز لم يُمنح لأي دولة أخرى. ومع اقتراب الصين من موقع القيادة العالمية، تستعد باكستان لجني ثمار مرحلة جديدة تتجاوز مكاسب الممر الاقتصادي وتفتح لها طريقا لتكون القوة المهيمنة في جنوب آسيا.

على الرغم من توتراتها المتكررة مع واشنطن، نجحت باكستان في الحفاظ على قنوات تعاون فعالة معها. وفي الوقت نفسه، رسخت شراكة استراتيجية راسخة مع الصين. النتيجة أن كلا الطرفين تقبل المعادلة: علاقة باكستان بالصين تصب في مصلحة أمريكا وعلاقتها بأمريكا تخدم الصين أيضا.
هذا الدور “الجسري” بين القوتين الكبريين لم تستطع الهند أن تؤديه. بل على العكس، تجد نفسها في مواجهة مطالب غربية بقطع علاقاتها مع موسكو أو تقليص تعاونها مع طهران ما يكشف حدود سياستها الخارجية.

ما تحققه باكستان اليوم ليس منحة مجانية بل نتيجة سياسة خارجية ممتدة منذ سبعة عقود. قدرة إسلام آباد على الجمع بين التوازنات الكبرى وتحويل موقعها الجغرافي إلى ورقة استراتيجية جعلتها طرفا ضروريا في معادلات واشنطن وبكين.
في المقابل، أسيرة أوهام “القوة الصاعدة” أهدرت الهند فرصها وخسرت موقعها أمام الصين وربما تفقد حتى دورها الإقليمي في جنوب آسيا. فالاقتصاد الكبير وحده لا يكفي، إذ إن المكانة الدولية تُبنى على الحكمة السياسية والخيارات الاستراتيجية لا على حجم الناتج المحلي فقط.

المقال باللغة الأردية كتبه المحلل العسكري الباكستاني رعايت الله فاروقي وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة حسن محمود والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى