آراء و مقالات

من الملاذات الآمنة إلى الاشتباكات المباشرة… كيف وصلت الأزمة الباكستانية الأفغانية إلى هذا الحد؟

تعبيرية (UrKish)

ثاقب أحمد

اندلعت في 11 أكتوبر 2025 أعنف مواجهات على الحدود الباكستانية الأفغانية منذ تولي طالبان الحكم في كابول. قوات أفغانية تابعة لطالبان هاجمت مواقع الجيش الباكستاني في منطقة كرم بإقليم خيبر بختونخواه مستخدمة المدفعية الثقيلة. الهجوم أسفر عن مقتل ثلاثة جنود باكستانيين ومدني وإصابة خمسة آخرين.

الجانب الأفغاني أعلن أن العملية جاءت ردًا على غارة جوية باكستانية على العاصمة كابول استهدفت زعيم حركة طالبان باكستان “نور ولي محسود“، المتهم بقيادة الهجمات الإرهابية ضد الجيش الباكستاني. الغارة كشفت، بحسب مصادر أمنية، أن محسود يقيم داخل كابول في منزل آمن ما اعتبرته إسلام آباد دليلا على تواطؤ سلطات طالبان معه.

الجيش الباكستاني رد بعملية عسكرية واسعة استخدم فيها الطائرات المسيرة والمدفعية الثقيلة استهدفت مواقع حدودية ومراكز دعم داخل الأراضي الأفغانية. وأعلنت القيادة العسكرية الباكستانية سيطرتها على 19 موقعًا حدوديًا أفغانيًا كانت تُستخدم لتأمين عبور الجماعات المسلحة الإرهابية إلى باكستان.

المواجهات الأخيرة جاءت بعد سلسلة فشل دبلوماسي متتالية. ففي كابول، فشل اجتماع وزراء خارجية باكستان والصين وأفغانستان في إصدار بيان مشترك بعد خلاف حول فقرة تتعلق بوجود جماعات مسلحة داخل الأراضي الأفغانية. هذا الخلاف دفع الصين إلى اتخاذ موقف أكثر تشددًا من طالبان، كما أشار إليه الصحفي الباكستاني “مياں آصف“.

كما شهدت نيويورك اجتماعًا رباعيًا على هامش أعمال الأمم المتحدة ضم إيران وروسيا وباكستان والصين بمشاركة ممثل عن الهند ضمن صيغة “موسكو”، ركّز على خطر الجماعات المسلحة داخل أفغانستان. الاجتماع لم يخرج بنتائج ملموسة بسبب رفض كابول الاعتراف بوجود تلك الجماعات.

وفي 12 سبتمبر، عقد مؤتمر آخر في دوشنبه بمشاركة المبعوث الباكستاني محمد صادق والمندوب الإيراني اللذين اتخذا موقفًا موحدًا ضد حكومة طالبان مؤكدين أن 70 بالمئة من العمليات الإرهابية داخل باكستان ينفذها أفغان وأن 16 من أصل 18 منفذًا لهجوم قرب ميناء “چاه بهار” الإيراني كانوا من الجنسية الأفغانية. تلك المعطيات ساهمت في تشكيل بيئة سياسية وأمنية معادية لحكومة طالبان.

التصعيد العسكري الأخير يعكس انهيار مسار التفاهمات السياسية التي كانت تراهن عليها الدول الإقليمية. فإسلام آباد ترى أن طالبان الأفغانية فشلت في ضبط حدودها ومنع نشاط حركة طالبان باكستان (TTP) بينما تتهم كابول باكستان بانتهاك سيادتها عبر الغارات الجوية.

محللون يرون أن السيطرة الباكستانية على 19 موقعًا حدوديًا تمثل رسالة ردع واضحة لحكومة كابول لكنها في الوقت نفسه لا تضمن استقرارًا دائمًا. فحركة طالبان الأفغانية لا تمتلك القدرة العسكرية الكافية لمواجهة مباشرة لكنها تعتمد أسلوب حرب العصابات ما يجعل الحدود مرشحة لمواجهات متقطعة.

تاريخ العلاقة بين البلدين يوضح أن التوتر الحدودي أصبح سمة دائمة. ففي ديسمبر 2021 قصفت باكستان مواقع لحركة طالبان في ولاية كونار وفي مايو 2025 نفذت عملية مشابهة ضد مجموعات مسلحة في شرق أفغانستان. كما شهدت العلاقة بين باكستان وجيرانها الآخرين، مثل إيران والهند، تصعيدًا مشابهًا خلال الأشهر الماضية ما يعكس نهجًا عسكريًا واضحًا في السياسة الأمنية الباكستانية يقوم على الرد الفوري والميداني.

تحليل الموقف يشير إلى أن الأزمة تتجاوز الحدود الجغرافية فهي تمسّ جوهر الأمن القومي الباكستاني. فاستمرار نشاط حركة طالبان باكستان داخل الأراضي الأفغانية يعني تهديدًا مباشرًا للعمق الباكستاني، خاصة في إقليم خيبر بختونخواه وبلوشستان. من جهة أخرى، ترى طالبان الأفغانية أن الضغوط الباكستانية تمثل محاولة لفرض وصاية على قراراتها الداخلية.

هذا التباين في الرؤية يجعل التعاون الأمني بين الجانبين أمرًا صعبًا. فكل طرف يتعامل مع الأزمة من منطلق الدفاع عن سيادته بينما تغيب الثقة المتبادلة وأي آلية مشتركة لضبط الحدود.

التداعيات الإقليمية للتصعيد لا تقل خطورة. فالتوتر بين باكستان وأفغانستان يهدد بإعادة تنشيط مسارات تهريب السلاح والمسلحين ويضع الصين وإيران وروسيا أمام تحديات أمنية جديدة، خاصة في ظل مشاريع اقتصادية كبرى تمر عبر المنطقة مثل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC).

في المقابل، بدأت باكستان تنفيذ إجراءات أمنية موازية تشمل خطة لترحيل آلاف اللاجئين الأفغان المقيمين داخل أراضيها بالتزامن مع حملة استهداف مكثفة ضد مواقع طالبان باكستان والجماعات المتحالفة معها.

تطور آخر لافت هو زيارة وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي لدار العلوم ديوبند في الهند ما فُسّر كتقارب أفغاني هندي مقلق لإسلام آباد. الإعلام الهندي تداول مقطعًا لمستشار الأمن القومي أجيت دوول يتحدث عن “استخدام المؤسسات الدينية للضغط على باكستان عبر طالبان”. هذا الموقف وضع علماء التيار الديوبندي في باكستان في موقف حرج تجاه حكومة طالبان.

النتيجة المتوقعة، وفق مراقبين، هي انتقال إدارة الملف الأفغاني من القنوات الدينية إلى المؤسسات الأمنية والعسكرية الباكستانية التي تعتبر هذا الملف من صميم مسؤولياتها.

الأزمة الحالية توضح أن مسار الحوار السياسي وصل إلى طريق مسدود وأن السلاح أصبح لغة التفاهم الوحيدة على خط دوراند (Durand Line)، في ظل غياب رؤية أمنية مشتركة أو ضمانات دولية تفرض ضبط الحدود بين الجانبين.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى