
ثاقب احمد
تواجه الهند منذ استقلالها عام 1947 تحديات متعددة تتعلق بحركات انفصالية داخل حدودها. هذه الحركات تتنوع بين مطالب دينية وعرقية وإقليمية وتشمل مناطق من كشمير والبنجاب إلى الشمال الشرقي ووسط البلاد. تعكس هذه الظاهرة تعقيد العلاقة بين الهوية المحلية والمركز الحكومي وتأثير العوامل الأمنية والدولية.
ولاية جامو وكشمير تعد من أبرز بؤر النزاع. المنطقة شهدت صراعات منذ تقسيم الهند وباكستان عام 1947. الاتفاقية الأولية للانضمام إلى الهند أثارت جدلا مستمرا وتصاعدت التوترات مع ظهور جماعات مسلحة تطالب بالانفصال أو بالانضمام إلى باكستان.
أبرز هذه الجماعات تشمل Hizbul Mujahideen وJammu and Kashmir Liberation Front، إضافة إلى عناصر مرتبطة بجماعات مثل Lashkar-e-Taiba وJaish-e-Mohammed. تصر الحكومة الهندية على السيطرة الأمنية بينما تواجه تدخلات خارجية وأزمات داخلية مستمرة.
في البنجاب، حركة خالصتان نشأت من جذور دينية وأصبحت لاحقا حركة سياسية. تأسست فكرة “الخالصا بانث” في القرن السابع عشر ثم تحولت إلى مطالب سياسية لاحقا. تأسيس حزب “أكالي دل” عام 1920 جاء في سياق حماية الهوية السيخية بينما شكل تقسيم الهند عام 1947 وإعادة رسم حدود البنجاب أزمة عميقة للسيخ داخل الهند.
تصاعد العنف في الثمانينيات بما في ذلك عملية الجيش الهندي “بلو ستار” 1984 ومجزرة المعبد الذهبي ثم اغتيال رئيسة الوزراء إنديرا غاندي أدى إلى موجة عنف انتقامية واسعة.
بعد منتصف التسعينيات، تراجع النشاط المسلح داخل الهند فيما استمر النشاط السياسي والرقمي في الشتات خصوصا في كندا وبريطانيا وأمريكا. الجماعات المصنفة إرهابيا تشمل Babbar Khalsa International وKhalistan Commando Force وKhalistan Zindabad Force.
الولايات الشمالية الشرقية تشهد أيضا حركات انفصالية متنوعة بسبب التعدد العرقي واللغوي والحدود الجغرافية. في آسام، نشطت حركة ULFA المطالبة بالاستقلال بينما في ناجالاند تطالب NSCN (IM) وNSCN (K) بمنطقة “ناغاليم” تشمل أراضٍ عبر الحدود.
في تريبورا، عملت مجموعات مثل NLFT وATTF بعضها دخل اتفاقات سلام جزئية. في ميزورام، انتهت حركة Mizo National Front إلى تسوية سياسية فيما تسعى مجموعات مثل Bodo وKamtapur للحكم الذاتي.
إضافة إلى ذلك، توجد حركات مسلحة ذات طابع أيديولوجي، مثل النيكساليين أو الماويين، الذين يسعون لتغيير النظام القائم في مناطق الشرق والوسط بأسلوب مسلح ويشكلون تهديدا أمنيًا واسع النطاق. أبرز الجماعات هو حزب الشيوعيين الماويين الموحد CPI (Maoist).
الهند تعاملت مع هذه الحركات بمزيج من القمع العسكري والسياسي والقضائي. منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، ازدادت مراقبة نشاط الشتات، خصوصا خالصتان في الخارج، مع محاولات اختراق الشبكات الرقمية والثقافية. اغتيال ناشط سيخي في كندا عام 2023 أثار أزمة دبلوماسية بين أوتاوا ونيودلهي ما يؤكد أن الملف يتجاوز الحدود الداخلية للهند.
تتعدد أسباب استمرار هذه الحركات وتشمل الهوية العرقية والدينية، التفاوت الاقتصادي، الضغوط السياسية والاضطرابات الأمنية. بعض الحركات انتهت عسكريا أو تحولت إلى نشاط سياسي سلمّي وبعضها مستمر في النشاط المسلح أو الرقمي. الحلول المستدامة تتطلب اعترافا ثقافيا، إصلاحا اقتصاديا، حكمًا محليا وضمانات قانونية، مع إدارة متوازنة للأمن والاستخبارات.
الذاكرة الجماعية للمجازر والصراعات السابقة في البنجاب وكشمير تظل عاملا مؤثرا في الحراك الاجتماعي والسياسي وقد تشكل عامل ضغط إذا توفرت الظروف المناسبة لإحياء المطالب القديمة.
خلاصة التحليل تشير إلى أن الهند تواجه مجموعة معقدة من الملفات الانفصالية تمتد بين الدين والسياسة والأمن والدبلوماسية. أي معالجة لهذه الملفات تتطلب مزيجا من الحوار السياسي، الاعتراف بالحقوق المحلية والإجراءات الأمنية المنسقة مع احترام القانون، مع إدراك أن كل حركة انفصالية تحمل تاريخا طويل الأمد وجذورا ثقافية عميقة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News




