أمينة أحمد
مصطلح “اليد الميتة” (Dead Hand) ظهر لأول مرة في النقاشات الدفاعية الغربية لوصف نظام نووي روسي آلي يعرف باسم Perimeter صُمم لضمان الرد الفوري على أي هجوم نووي حتى إذا قُتلت القيادة العليا.
النظام يمثل جزءا محوريا من استراتيجية الردع النووي الروسية ويعكس تطور التفكير العسكري السوفيتي خلال الحرب الباردة حيث كان السؤال الأساسي: من سيصدر أوامر الرد إذا أباد هجوم نووي مفاجئ القيادة بالكامل؟
فكرة “اليد الميتة” نشأت في سياق الحرب الباردة عندما كانت الولايات المتحدة تتابع تصعيدا نوويا وتقوم بتجارب على قدرات الرد السريع. القيادة السوفيتية خشيت سيناريو هجوم أول مفاجئ يقتل القيادة العسكرية والسياسية وبالتالي يُترك النظام النووي بلا من يفعّل الرد الانتقامي.
تولد من هذا القلق مشروع Perimeter والذي دخل حيز التشغيل عام 1985 بعد اختبارات ناجحة على صواريخ ناقلة ونظام التحكم.
النظام يعتمد على مركز قيادة عميق تحت الأرض في وسط روسيا يربط شبكة واسعة من الحساسات (sensors) موزعة عبر البلاد. الحساسات تراقب مؤشرات دقيقة لتحديد وقوع هجوم نووي محتمل وتشمل:
– الزلازل والاهتزازات الأرضية القصيرة.
– ظهور ضوء غير معتاد يشير إلى انفجار نووي.
– مستويات إشعاع نووي عالية ومفاجئة.
– تغيرات كبيرة وفجائية في ضغط الهواء ودرجة الحرارة.
– انقطاع أنظمة الاتصالات الوطنية.
– عدم وصول أي أوامر من القيادة العليا الروسية.
عند رصد أي من هذه المؤشرات، يبدأ مركز القيادة فترة انتظار تبلغ 15 دقيقة. إذا لم يصل أمر من القيادة، يفترض النظام وقوع هجوم نووي وموت القيادة العليا ويبدأ في اتخاذ قرار الرد آليا دون تدخل بشري.
عند تفعيل الرد، يطلق النظام صاروخا ناقلا يصل ارتفاعه إلى نحو 30 كيلومترا مجهزا برأس إشعاعي ينقل أوامر الإطلاق إلى جميع صواريخ الردع الروسية بما في ذلك الصواريخ العابرة للقارات. هذه الرموز تفعّل الصواريخ تلقائيا ما يؤدي إلى إطلاق كامل الترسانة النووية الروسية. الهدف من هذه الآلية ضمان الرد الانتقامي حتى إذا لم يبقَ أي عنصر بشري لإصدار الأوامر.
نظام اليد الميتة الروسي- نظامٌ صُمم لضمان التدمير المتبادل. صُمم في الأصل لمواجهة الردع النووي الأمريكي، وقد طُوّر عدة مرات منذ ذلك الحين. لنرَ كيف يعمل. pic.twitter.com/NFE0O0DK7P
— Arab-Military (@ashrafnsier) October 16, 2025
روسيا تمتلك نحو 1600 رأس نووي تكتيكي و2400 رأس استراتيجي جميعها مرتبطة بنظام “اليد الميتة”. بالإضافة إلى ذلك، خضع النظام لتحديثات تشمل رادارات الإنذار المبكر وصواريخ فرط صوتية ما يعزز قدرة روسيا على الرد السريع ويصعب تعطيل النظام في حال هجوم أول.
يظل نظام “اليد الميتة” فعالا حتى اليوم ويعتبر جزءا محوريا من استراتيجية الردع الروسية. رفع الرئيس فلاديمير بوتين حالة التأهب النووي يعزز جاهزية النظام ويؤكد أن روسيا قادرة على الرد حتى في أسوأ السيناريوهات ما يرسل رسالة واضحة للغرب: حتى إذا دُمِرت القيادة الروسية، الرد سيكون شاملًا ومدمرا للطرف المعتدي.
نظام “اليد الميتة” يمثل تطورا فريدا في استراتيجيات الردع النووي يجمع بين الأتمتة الكاملة والتكامل مع الترسانة النووية الوطنية. وجوده يوضح نهج روسيا في ضمان الرد الانتقامي ويعكس مستوى التخطيط الدقيق الذي كان سائدا خلال الحرب الباردة وما يزال يؤثر في سياساتها الدفاعية الحديثة.
