آراء و مقالات

هجوم أوكرانيا على القواعد الجوية الروسية: قراءة في الأهداف والنتائج المحتملة

تعبيرية (tribuneonlineng)

رعايت الله فاروقي

في تطور لافت على جبهة الحرب الروسية الأوكرانية، شنت القوات الأوكرانية مؤخرا هجوما استهدف قواعد جوية روسية يُعتقد أنها تضم طائرات قاذفة بعيدة المدى. هذا الهجوم أثار تساؤلات عديدة بشأن حجمه وأهدافه ومدى جدية الرد الروسي المحتمل.
فهل نحن على أعتاب تحول استراتيجي في مسار الصراع؟ وماذا تعني هذه الضربة في الحسابات العسكرية والجيوسياسية؟

بينما روّجت بعض وسائل الإعلام الغربية إلى أن الهجوم أسفر عن تدمير ما يصل إلى أربعين طائرة روسية، تُشير المعلومات المؤكدة إلى أن العدد الحقيقي أقل بكثير.
فوفقًا لمصادر موثوقة، أصابت الضربة ست طائرات فقط من بينها طائرتان من طراز TU-95 تم تدميرهما بالكامل وثلاث طائرات أُصيبت بأضرار جزئية وطائرة نقل عسكرية دُمرت كذلك. هذا التباين الكبير بين الأرقام يُبرز حجم الحرب النفسية والإعلامية الدائرة بالتوازي مع العمليات الميدانية.

من الأسئلة التي طرحت نفسها بقوة: لماذا كانت الطائرات الإستراتيجية الروسية مكشوفة؟ الجواب يعود إلى اتفاق قديم بين روسيا والولايات المتحدة ينص على أن الطائرات الإستراتيجية بعيدة المدى يجب أن تُبقى في العراء لا داخل الحظائر، وذلك لتمكين الأقمار الصناعية للطرفين من مراقبتها ضمن آليات “الردع المتبادل والشفافية النووية“. وبالتالي، فإن وجودها مكشوفة ليس نتيجة إهمال بل التزام باتفاق دولي.

تشير العقيدة النووية الروسية إلى إمكانية الرد النووي في حال استُهدفت قواعد جوية إستراتيجية. إلا أن هذا البند مخصص أساسًا للتعامل مع تهديدات قادمة من دول نووية.
وبما أن أوكرانيا لا تملك ترسانة نووية فمن المستبعد جدًا أن ترد روسيا بالسلاح النووي. ومع ذلك، لا يُستبعد أن تستخدم موسكو صواريخ تقليدية فتاكة مثل صواريخ “أورشيانك” القادرة على تدمير أهداف عسكرية بالكامل دون أن تُلحق أضرارا كبيرة بالمدنيين. هذا النوع من الضربات يضمن الردع دون تجاوز الخطوط الحمراء النووية.

منذ بداية تدخلها في أوكرانيا، تصف روسيا تحركاتها بأنها “عملية عسكرية خاصة” لا “حربًا” بالمعنى العسكري الكامل. لكن هذا التعريف قد يتغير، لا سيما إذا رأت موسكو أن الهجمات على عمقها الاستراتيجي تتطلب تصعيدًا شاملًا.

والفارق بين المصطلحين كبير: فالعملية العسكرية تُركّز على أهداف محددة تعيق التقدم الميداني، أما الحرب فتستهدف في مراحلها الأولى كامل البنية التحتية للدولة المعادية بما يشمل منشآت الطاقة وأنظمة الاتصالات ومراكز القيادة والسيطرة.
في حال قررت موسكو “ترقية” عمليتها إلى حرب شاملة، فإن النظام الأوكراني قد ينهار في غضون أيام وقد يضطر الرئيس زيلينسكي إلى إدارة حكومة منفى لا تملك إلا رمزية سياسية محدودة.

الجواب يكمن في الأهداف الروسية نفسها. فموسكو لم تُظهر في أي مرحلة رغبة في احتلال أوكرانيا بأكملها بل تركّز أهدافها على المناطق التي تسكنها أغلبية روسية وهي تمثل مساحة تقل قليلا عن نصف البلاد.
حتى الآن، سيطرت روسيا على نحو 121 ألف كيلومتر مربع من أصل نحو 600 ألف كيلومتر مربع هي المساحة الكلية لأوكرانيا.

الهجوم الأوكراني على القواعد الجوية الروسية يحمل دلالات رمزية وعسكرية لكنه لا يغير كثيرا من موازين القوى على الأرض. الرد الروسي – إن وقع – قد يكون قاسيا لكنه محسوب يهدف لتحقيق الردع دون الانزلاق إلى مواجهة نووية شاملة.
لكن يبقى احتمال تصعيد موسكو وتحويل العملية إلى حرب نظامية واردا ما قد يُعجّل بنهاية الصراع بصورة حاسمة لصالح روسيا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا