آراء و مقالاتاخبار سياسة

الحروب المعاصرة والتحولات بموازين القوة

مما جاء في مقال الدكتور يوسف مكي بصحيفة الخليج

spinetimes

في كل ركن من القارات الثلاث القديمة: آسيا، إفريقيا وأوروبا تشتعل الحروب وتتزايد ضراوتها. من أبرز هذه الصراعات الحالية الحرب في السودان التي اندلعت في 15 أبريل، وخلّفت آثارًا كارثية حيث أجبرت الملايين على النزوح من ديارهم في موجة غير مسبوقة في تاريخ السودان الحديث. وقد نتج عن هذه الحرب انتشار الأوبئة, تفاقم الجوع, انتهاكات إنسانية واسعة وفقدان الأمن دون أفق واضح لنهايتها.

وفي أوكرانيا تتواصل الحرب التي وصفتها الحكومة الروسية بـ”العملية الخاصة” والتي اندلعت في 24 فبراير 2022. وبينما يُعدّ أطرافها المباشرين روسيا بقيادة بوتين وأوكرانيا برئاسة زيلينسكي فإن التدخل الغربي أصبح أكثر وضوحًا ومباشرة. هذه الحرب ذات الجذور التاريخية تستند إلى واقع أن أوكرانيا كانت جزءًا من روسيا القيصرية ومن ثم الاتحاد السوفييتي، ولا يبدو أن نهاية هذه الحرب قريبة.

أما الحرب في غزة فقد بدأت إثر عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023 وهي امتداد للصراع المستمر جراء الاحتلال الإسرائيلي للقطاع منذ حرب الأيام الستة عام 1967. تفاقمت الأزمة بسبب تراجع إسرائيل عن اتفاقية أوسلو التي كانت تُؤمل في تحقيق السلام، لكن اغتيال إسحق رابين وصعود اليمين المتطرف أجهضا تلك الجهود.

وفي لبنان بدأت العمليات العسكرية دعماً لغزة ثم تصاعدت لتتحول إلى مواجهة شاملة اعتبارًا من 30 سبتمبر 2024 بعدما وسّعت إسرائيل عملياتها في ظل توتر إقليمي متزايد.

العلاقة بالنظام الدولي المرتقب:

التاريخ يوضح أن التحولات الكبرى في النظام الدولي غالبًا ما تأتي عقب هزيمة أحد أقطاب المعادلة الدولية بشكل كامل كما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية. هذه التحولات أسفرت عن إنهاء الاستعمار التقليدي وصعود قوى جديدة مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي الذين شكلا النظام ثنائي القطب حتى سقوط الأخير.

اليوم مع صعود الصين كقوة اقتصادية وعودة روسيا كفاعل مؤثر تتغير موازين القوى مجددًا. لكن الاعتراف بهذا التحول ليس بالأمر الهيّن على الولايات المتحدة. وبينما يبدو إشعال حرب عالمية ثالثة مستبعدًا بسبب خطر الدمار النووي أصبحت “حروب الوكالة” الخيار البديل. ومع ذلك هذه الحروب تعكس اعترافًا ضمنيًا بتراجع نفوذ القوى الكبرى وتستدعي تفاهمات بين الأطراف الدولية، وهو أمر لم يتحقق بعد مما يؤدي إلى مزيد من الفوضى.

الدرس للعالم الثالث:

في ذروة الحرب الباردة ظهرت حركة عدم الانحياز كبديل للانخراط في صراعات القوى العظمى. لكن هذا الخيار غائب اليوم مما يجعل دول العالم الثالث عرضة لاستمرار الفوضى والحروب ما لم تحقق استقلالية حقيقية في قراراتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية. بدون ذلك ستظل المنطقة ساحة لصراعات متجددة يدفع شعوبها الثمن الأكبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا