آراء و مقالاتمنوعات

“حقن التعزيز الذهني”.. سلاح جديد لمواجهة المعلومات المضللة

صورة تعبيرية (Pixabay)

في عصر تتدفق فيه المعلومات بسرعة غير مسبوقة، باتت الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة تهديدًا متزايدًا يؤثر على القرارات الفردية والجماعية بدءًا من القضايا الصحية وصولًا إلى القضايا السياسية والاجتماعية. وفي ظل هذه التحديات، كشفت دراسة حديثة نشرها موقعNeuroScience News أن التدخلات النفسية القصيرة التي تركز على تعزيز الذاكرة يمكن أن تساهم بشكل كبير في مقاومة التضليل الإعلامي، وهو ما أطلق عليه الباحثون اسم “حقن التعزيز الذهني”.

مناعة نفسية ضد الأخبار الزائفة

أظهرت الدراسة، التي نشرت في مجلة Nature Communications أن تدريب الأفراد على كيفية اكتشاف الأخبار الكاذبة والتعامل معها يمكن أن يكون له تأثير طويل الأمد إذا تم تعزيزه بتمارين وتقنيات تقوية الذاكرة. وأوضحت أن التدخلات النصية والمرئية والتفاعلية أثبتت فعاليتها في تعليم الأفراد كيفية التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، إلا أن تأثيرها يتلاشى مع مرور الوقت، ما لم يتم دعمها بتذكيرات دورية.

ووفقًا للباحثين، فإن هذه التذكيرات تعمل بنفس مبدأ الجرعات المعززة للقاحات الطبية حيث تساعد في إبقاء المعلومات المهمة نشطة في ذاكرة الأفراد مما يعزز قدرتهم على التصدي للمعلومات الكاذبة بشكل مستدام.

تجربة علمية موسعة

قاد فريق من الباحثين من جامعات أوكسفورد وكامبريدج وبريستول وبوتسدام وكينغز كوليدج لندن خمس تجارب علمية واسعة النطاق شملت أكثر من 11,000 مشارك لاختبار مدى استدامة تأثير أساليب التوعية المختلفة ضد المعلومات المضللة.

واعتمدت التجارب على ثلاثة أنواع من التدخلات:

التدخلات النصية: حيث طُلب من المشاركين قراءة رسائل توضح الأساليب الشائعة التي تُستخدم في نشر المعلومات المضللة.
التدخلات البصرية (مقاطع الفيديو): مقاطع قصيرة تشرح كيفية استخدام التلاعب العاطفي لخداع المتلقين.
التدخلات التفاعلية (الألعاب): ألعاب تتيح للمشاركين إنشاء أخبار زائفة بأنفسهم في بيئة آمنة مما يساعدهم على التعرف على استراتيجيات التضليل الإعلامي.

بعد تلقي هذه التدريبات، تم تعريض المشاركين لمحتوى مضلل ثم جرى تقييم قدرتهم على اكتشافه ومقاومته بمرور الوقت. ورغم أن جميع الأساليب أظهرت فاعلية كبيرة إلا أن تأثيرها بدأ في التراجع تدريجيًا. غير أن المشاركين الذين تلقوا تذكيرات دورية أو خضعوا لتمارين تعزيز الذاكرة احتفظوا بقدرتهم على مقاومة الأخبار الزائفة لفترة أطول بكثير.

الذاكرة مفتاح الحماية

أكدت الدراسة أن نجاح مقاومة المعلومات المضللة يعتمد بشكل رئيسي على قدرة الأفراد على تذكر التدريبات الأولية. ووجد الباحثون أن التذكيرات التي تستهدف تحسين الذاكرة مثل إعادة قراءة المعلومات أو ممارسة تمارين استرجاعها، تعزز من قدرة الأفراد على التصدي للأخبار الزائفة لفترات أطول.

وفي المقابل، لم تكن التذكيرات التي تركز فقط على التحذير من مخاطر المعلومات المضللة فعالة في تعزيز مقاومة الأفراد لهذه الظاهرة.

رأي الخبراء

يرى الدكتور راكوين مارتينز الباحث الرئيسي في الدراسة وأستاذ علم النفس التجريبي بجامعة أوكسفورد: أن المعلومات المضللة أصبحت مشكلة عالمية تؤثر على العديد من المجالات بدءًا من الجدل حول تغير المناخ ووصولًا إلى التردد في تلقي اللقاحات.”

وأضاف: “تشير أبحاثنا إلى أن الحقن النفسية المعززة، تمامًا مثل اللقاحات، يمكن أن تساعد الأفراد على تطوير مناعة طويلة الأمد ضد الأخبار الزائفة. وإذا تم دمج هذه الاستراتيجيات في برامج التوعية العامة والتعليم الرقمي فسيكون تأثيرها أكثر فعالية واستدامة.”

من جانبه، أكد البروفيسور ستيفان ليفاندوفسكي أستاذ علم النفس المعرفي بجامعة بريستول والمشارك في الدراسة: أن “تشابه تأثير التدريبات بين النصوص ومقاطع الفيديو والألعاب التفاعلية يجعل من السهل تطبيقها على نطاق واسع مما يسمح بتوسيع استخدامها في مختلف البيئات لمساعدة الأفراد على كشف التضليل الإعلامي.”

ما الذي يجب فعله؟

في ضوء هذه النتائج، يؤكد الباحثون على الحاجة إلى دمج تقنيات تعزيز الذاكرة في المناهج التعليمية وبرامج التوعية الرقمية، إضافة إلى تطوير أدوات تفاعلية تساعد المستخدمين على تعزيز قدرتهم على كشف المعلومات الزائفة.

كما يدعو الخبراء إلى التعاون بين الباحثين وصناع القرار ومنصات التواصل الاجتماعي لضمان دمج هذه الأساليب في الحملات الإعلامية والتوعوية مما يساعد في خلق بيئة إعلامية أكثر موثوقية وأمانًا.

ختامًا.. المعرفة سلاحك الأول

مع ازدياد انتشار المعلومات المضللة، أصبح من الضروري أن يمتلك الأفراد أدوات فعالة لمواجهتها. وتعد “حقن التعزيز الذهني” خطوة مهمة في هذا الاتجاه حيث توفر طريقة علمية قائمة على تعزيز الذاكرة مما يمكن الأفراد من التمييز بين الحقيقة والزيف وبالتالي المساهمة في بناء مجتمع أكثر وعيًا وإدراكًا.

فهل تصبح هذه الحقن النفسية المعززة جزءًا أساسيًا من برامج التوعية المستقبلية؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.

Web Desk

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا