
رعایت اللہ فاروقی
تشهد منطقة الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة توترًا متزايدًا حيث تبدو الولايات المتحدة وكأنها تستعد لمواجهة عسكرية مع إيران. فقد كثفت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تصريحاتها العدائية ونفذت غارات جوية في اليمن رغم غياب أي تهديد واضح من الحوثيين الذين لم يستهدفوا أي سفن في البحر الأحمر منذ وقف إطلاق النار في غزة.
يثير هذا التصعيد تساؤلات حول دوافع واشنطن الحقيقية. فهل هي مجرد استعراض للقوة أم أن هناك نية حقيقية لشن حرب على إيران؟
هناك احتمالان رئيسيان وراء التصعيد الأمريكي ضد إيران. الأول يتعلق بإسرائيل حيث يعيش رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أزمة سياسية داخلية غير مسبوقة مع تصاعد الانقسام بين التيار الليبرالي المعارض للحرب والتيار اليميني المتشدد الساعي لتحقيق مشروع “إسرائيل الكبرى“. بدأ العديد من الإسرائيليين الليبراليين الذين ينحدر معظمهم من أصول أوروبية في فقدان الثقة بمستقبل إسرائيل مما دفع بعضهم إلى الهجرة.
في ظل هذه الظروف، قد تكون الحرب مع إيران خيارًا استراتيجيًا لنتنياهو من أجل توحيد الصف الداخلي حيث يُثبت التاريخ أن الشعوب تميل إلى التكاتف في أوقات الحروب مما قد يمنحه فرصة للبقاء في السلطة. لكن المشكلة أن إسرائيل لا تستطيع خوض هذه الحرب بمفردها، لذا تسعى إلى جرّ الولايات المتحدة إلى المواجهة.
ورغم الضغوط الإسرائيلية، إلا أن ترامب أظهر سابقًا وعيًا بخلفيات الصراعات التي خاضتها بلاده. فقد نشر قبل توليه الرئاسة مقطع فيديو للأكاديمي الأمريكي جيفري ساكس يتهم فيه نتنياهو بأنه المحرك الرئيسي لجميع الحروب الأمريكية خلال العقود الثلاثة الماضية. وهذا يشير إلى أن ترامب ليس متحمسًا لخوض حرب جديدة في الشرق الأوسط خاصة إذا كانت لصالح أجندة إسرائيلية بحتة.
أما الاحتمال الثاني، فهو أن ترامب يعتمد على مبدأ “السلام عبر القوة” وهو مفهوم ليس بجديد، إذ استخدمته الولايات المتحدة مرارًا لتبرير حروبها عبر التاريخ. حالياً، تمارس واشنطن ضغوطًا على إيران لإجبارها على توقيع اتفاق يمنعها من تطوير أسلحة نووية. ورغم أن طهران تؤكد أن المرشد الأعلى أصدر فتوى تحظر تصنيع الأسلحة النووية، إلا أن بعض المسؤولين الإيرانيين أشاروا إلى إمكانية تغيير الفتاوى وفقًا للظروف وهو ما يعزز المخاوف الأمريكية.
ويبدو أن ترامب قد اختار طريقًا دبلوماسيًا لتحقيق هدفه حيث كلّف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بلعب دور الوسيط بين واشنطن وطهران. فقد تضمن البيان الصادر بعد مكالمة هاتفية بين الزعيمين استمرت لأكثر من ساعتين، أن بوتين سيساهم في تقريب وجهات النظر بين الطرفين.
قد يكون وراء التصعيد الأمريكي هدفان رئيسيان: الأول إرضاء اللوبي الصهيوني في واشنطن والثاني بناء صورة زعيم قوي حيث يسعى ترامب إلى إقناع الأمريكيين بأنه أجبر إيران على تقديم تنازلات من خلال استعراض القوة، رغم أن الدور الحقيقي في التسوية سيكون لبوتين.
لا يخفي ترامب طموحه في الحصول على جائزة نوبل للسلام وهو ما يدفعه إلى تبني سياسة مزدوجة. ففي أوكرانيا، يبدو مستعدًا لتقديم تنازلات كبيرة لروسيا لإنهاء الحرب بينما في الشرق الأوسط، يحاول تحقيق استقرار مؤقت دون السماح بقيام دولة فلسطينية مما يجعل السلام الدائم مستحيلًا.
في ظل هذه المعادلة، يبدو أن شنّ حرب ضد إيران لن يخدم طموحات ترامب بل قد يعرقل فرصه في الحصول على الجائزة. لذا، فإن الخيار الأكثر ترجيحًا هو مواصلة الضغط السياسي والاقتصادي على طهران مع التلويح بالقوة دون اللجوء إلى استخدامها فعليًا.
رغم تصاعد التوترات، فإن الحرب بين أمريكا وإيران ليست حتمية بل تبقى رهينة الحسابات السياسية والانتخابية لكل من واشنطن وتل أبيب. وبينما يسعى نتنياهو إلى إشعال صراع للحفاظ على موقعه السياسي، يراهن ترامب على تحقيق مكاسب دبلوماسية تعزز صورته كرجل صنع السلام.
وفي النهاية، يظل الأمل معقودًا على أن تنتصر لغة الحوار على طبول الحرب.
المصدر: المقال باللغة الأردية وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة عبدالرؤوف حسين، والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.