رعايت الله فاروقي

تعتبر القدرة على استباق الأحداث وتحليل تصرفات القادة السياسيين أمرًا بالغ الأهمية في عالم السياسة. لا تقتصر هذه القدرة على تحديد الخطوات القادمة للقوى السياسية المتنافسة، بل تساهم في بناء استراتيجيات المحللين السياسيين الذين يرتبط عملهم بالتنبؤ بما سيحدث في المستقبل. ومع ذلك تظل هناك تحديات في التنبؤ بسلوك بعض القادة مثل الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب“.
قبل الانتخابات الأمريكية الأخيرة، سُئل الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” عن تفضيله بين جو بايدن ودونالد ترامب، فأجاب بأن بايدن “يمكن التنبؤ به” مما يعكس أن العالم كان يعتقد أن سياسات بايدن متوقعة بخلاف ترامب الذي لا يتبع قواعد اللعبة السياسية التقليدية. فإن ترامب أطلق مفاجآت سياسية لم تكن في حسبان أحد مثل استراتيجيته في فرض الرسوم الجمركية التي استخدمها ضد كولومبيا والمكسيك وكندا، مع الإشارة إلى إمكانية استخدامها ضد أوروبا في المستقبل مما قد يؤثر بشكل كبير على التوازنات السياسية العالمية.
تأخر تناولنا لموضوع وقف إطلاق النار في غزة لأننا كنا ننتظر ما ستقدمه إدارة ترامب مقابل ذلك. وفيما كان البعض يروج لخطط “إخلاء غزة” فضلنا عدم الالتفات لهذه الأفكار إلا بعد أن تصبح رسمية ليأتي الإعلان عن “إخلاء غزة” في مؤتمر صحفي مشترك بين ترامب ونتنياهو.
لكن السؤال المحوري هنا هو: هل يمكن أن تنجح خطة ترامب في إخلاء غزة؟ رد فعل الإعلام العالمي كان حاسمًا حيث وصفت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) هذه الخطة بأنها “انتهاك للقانون الدولي” مما يشير إلى الصعوبات القانونية التي قد تواجه تنفيذها. ومع ذلك لا يقتصر التحدي على الجانب القانوني فقط، بل يمتد إلى سكان غزة أنفسهم. فخلال السنوات الماضية، أثبت سكان غزة تمسكهم بأرضهم رغم الحروب والمجازر حتى في ظل الأوضاع الإنسانية المتدهورة مما يجعل من الصعب تخيل أن يكون هذا الشعب مستعدًا للرحيل بمجرد إعلان خطة من ترامب.
السؤال الأكثر إلحاحًا هو: إذا كان ترامب يعتزم إخلاء غزة فأين سيذهب سكانها؟ يتم الحديث عن توطينهم في مصر أو الأردن لكن هذين الخيارين لا يبدوان واقعيين، خاصة في ظل الأوضاع السياسية الحساسة في هذين البلدين.
ورغم هذه التحديات، يبقى السؤال عن السبب الحقيقي وراء طرح خطة تبدو صعبة التنفيذ. الجواب ربما يكمن في أن هذه الخطة هي جزء من استراتيجيات التفاوض. كما هو الحال في الأسواق التجارية يتم عرض مطالب مبالغ فيها للوصول إلى اتفاق مرضٍ للطرفين. يعتقد المحللون مثل أليستر كروك المسؤول الاستخباراتي السابق: أن خطة ترامب تهدف إلى منح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “أكسجين سياسي” إذ يعاني الأخير من ضغوط سياسية داخلية قد تهدد استقراره وخاصة من شخصيات يمينية متطرفة مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. وبالفعل، بدأت هذه الشخصيات في الانسحاب من دعم نتنياهو بسبب قضية وقف إطلاق النار مما دفعه إلى السفر إلى واشنطن للحصول على دعم سياسي يعزز موقفه داخليًا.
في الختام، رغم أن خطة “إخلاء غزة” قد تُطرح كجزء من مشروع أوسع يسمى “اتفاقات أبراهام” يظل السؤال الأهم: هل سيتمكن ترامب من فرض هذه الخطة على أرض الواقع؟ أم ستظل هذه الخطة مجرد جزء من لعبة سياسية للتفاوض على الأوضاع في المنطقة؟ الأيام القادمة ستكشف عن الإجابة.
المصدر: المقال باللغة الأردية وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة عبدالرؤوف حسين والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.