آراء و مقالاتثقافة و فن

أيهما يربي أطفالنا: ديزني الخيال أم جيبلي الحكمة؟

CBR

عامر مغل

في الآونة الأخيرة، انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي اتجاه فني يُعرف بـ “فن جيبلي” (Ghibli Art) مدعومًا بتقنيات الذكاء الاصطناعي والذي يُحاكي الأسلوب الفريد للرسام والمخرج الياباني الأسطوري هاياو ميازاكي (Hayao Miyazaki) أحد أبرز رواة القصص في العالم الأنمي.

انتشار هذا النمط على وسائل التواصل الاجتماعي لم يكن وليد الصدفة؛ بل هو انعكاس لعطش جمالي وفني نحو نوع مختلف من السرد البصري مفعم بالتفاصيل والرمزية والبعد الإنساني العميق الذي يبتعد عن القوالب الجاهزة التي اعتادها الجمهور في الإنتاجات الغربية.

أصل التسمية.. من رياح الصحراء إلى نسائم الإبداع
كلمة “جيبلي” (Ghibli) التي تحمل اسم الاستوديو، ليست يابانية الأصل كما قد يظن البعض بل ترجع إلى اللغة العربية المحكية في شمال إفريقيا (خصوصًا في ليبيا) حيث تُستخدم للإشارة إلى رياح ساخنة ومفاجئة قادمة من الصحراء. وقد انتقلت الكلمة إلى أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية حين أطلقت القوات الإيطالية اسم “جيبلي” على إحدى طائراتها العسكرية في إشارة إلى هذه الرياح العاتية.

حين أسس هاياو ميازاكي ورفيقه إيساو تاكاهاتا استوديو الرسوم المتحركة الخاص بهما عام 1985، اختار ميازاكي اسم “جيبلي” ليكون بمثابة إعلان رمزي عن “رياح جديدة تهب على عالم الأنمي” وهو ما تحقق فعلًا خلال العقود التالية.

حين شاهدت “المخفيون”… البدايات الشخصية
من واقع تجربتي كأب ومحب للفن، كانت بداية علاقتي بأعمال ميازاكي قبل نحو 17 عامًا، حين شاهدت للمرة الأولى فيلم “Spirited Away” (المخفيون). لم أكن مستعدًا لما رأيته؛ القصة والشخصيات والموسيقى والرسومات – كلها جاءت مختلفة عن أي شيء سبق أن رأيته في أفلام ديزني أو بيكسار.

يحكي الفيلم عن فتاة تُدعى “تشيهيرو” (Chihiro) تدخل مع والديها عالمًا غامضًا من الأرواح حيث يتحول والداها إلى حيوانات وتُجبر على البقاء وحيدة في عالم غريب. تبدأ العمل في عالم الأرواح وتكتشف أسرارًا عن المكان وعن نفسها وتنضج خلال رحلتها التي تجمع بين الرعب والجمال، البراءة والحكمة والخوف والشجاعة.

هذه التجربة دفعتني للبحث عن مزيد من أعمال الاستوديو فكانت النتيجة رحلة طويلة مع أفلام غنية بالمعاني والقيم، أعيد اكتشافها مع كل مشاهدة جديدة.

شخصيات ميازاكي.. العمق والواقعية
تتميز أفلام ميازاكي بوجود شخصيات نسائية قوية ومستقلة لا تبحث عن فارس ينقذها بل تواجه مصيرها بشجاعة وإصرار. هذا الأسلوب يناقض الطرح السائد في كثير من إنتاجات ديزني التي غالبًا ما تضع البطلة في مسار يتقاطع مع قصة حب مركزية.

في أفلام مثل “الأميرة مونونوكي” و“ناوسيكا” نجد بطلات يتحركن بدافع المسؤولية الأخلاقية تجاه الطبيعة والآخرين. بينما في أفلام مثل “قلعة هاول المتنقلة” و”بونيو” تأخذ العلاقات الإنسانية طابعًا روحيًا ناعمًا لا تغلفه الرومانسية المفتعلة.

أما على مستوى التصوير البصري، فإن “فن جيبلي” يعتمد على رسم يدوي تقليدي يتميز بألوان مائية هادئة مناظر طبيعية خلابة وتصميم معماري مستوحى من الريف الياباني وأوروبا القديمة ما يُضفي عليه طابعًا حلميًا لا يخلو من الواقعية.

أبرز أعمال استوديو جيبلي
Spirited Away (2001)
الفيلم الحائز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة. رحلة فتاة في عالم الأرواح واكتشافها لقوتها الداخلية.
Princess Mononoke (1997)
صراع ملحمي بين البشر وقوى الطبيعة. فيلم فلسفي غني بالرمزية.
My Neighbor Totoro (1988)
حكاية طفلتين في الريف الياباني وصديقهم الغريب “توتورو” رمز الطفولة والأمل.
Howl’s Moving Castle (2004)
قلعة متنقلة فتاة مُسنة بلعنة وساحر متقلب. حكاية عن الحرب والحب والهوية.
Nausicaä of the Valley of the Wind (1984)
من أوائل أعمال ميازاكي، فيلم عن بيئة ملوثة وفتاة تسعى لتحقيق السلام بين الإنسان والطبيعة.
Ponyo (2008)
قصة سمكة ذهبية تقع في حب صبي بشري. تأملات في الطفولة والحب والتوازن الطبيعي.
The Wind Rises (2013)
سيرة ذاتية خيالية لمهندس طائرات وتجسيد لعلاقة الفنان بالحلم والحرب.
The Boy and the Heron (2023)
أحدث أفلام ميازاكي، يحكي قصة صبي يدخل عالمًا غريبًا بعد وفاة والدته في رحلة رمزية عن الحياة والموت.

المقارنة مع ديزني.. فلسفة سرد مختلفة
الفرق الجوهري بين مدرسة ديزني ورؤية ميازاكي يكمن في الفلسفة السردية:

العنصرديزني / بيكسارميازاكي / جيبلي
المحورتحقيق الذاتالتفاهم مع العالم
الشخصياتمثالية وبراقةبشرية، واقعية
الرومانسيةمحورية ومُعلنةهامشية أو رمزية
الطبيعةخلفيةكائن حي وروح محورية
التغيرعبر مغامرة خارجيةعبر رحلة روحية داخلية

استوديو جيبلي ليس مجرد جهة إنتاج لأفلام أنمي بل هو تيار فني وإنساني يعيد تعريف الرسوم المتحركة كأداة للسرد العميق والتأمل والتواصل مع الجمال الطبيعي والبشري. في زمن تتسارع فيه الصور وتتشابه القصص، يبقى فن جيبلي نسيمًا نقيًا يهبّ على روح الفن يعيدنا إلى جوهر الحكاية حيث البساطة تعني العمق والطفولة تعني الحكمة.

المقال باللغة الأردية وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة ثاقب أحمد، والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا