آراء و مقالاتحوار

صعود زهران ممداني… كسر السقف الزجاجي في السياسة الأمريكية

تعبيرية (UrKish)

أمينة أحمد

في لحظة سياسية مشحونة داخل الولايات المتحدة، ظهر اسم زهران ممداني كرمز لتحول عميق في المشهد الديمقراطي الأمريكي. فوزُه بمنصب عمدة نيويورك لم يكن حدثا انتخابيا عاديا بل تجسيدا لانتقال حقيقي في وعي الناخب الأمريكي تجاه قضايا الهوية، الدين والعدالة الاجتماعية.
قصة ممداني ليست فقط عن رجل مسلم من أصل أوغندي هندي وصل إلى موقع نفوذ بل عن معركة فكرية وسياسية تعيد رسم حدود الخطاب العام في واحدة من أهم المدن في العالم.

ولد زهران ممداني في أوغندا عام 1992 لعائلة تجمع بين الفكر والسينما. والده المفكر المعروف محمود ممداني صاحب كتاب “المسلم الجيد، المسلم السيئ” ووالدته المخرجة ميرا نير صاحبة أعمال عالمية لامست قضايا الهوية والهجرة. من هذه الخلفية تشكلت رؤيته السياسية التي تضع العدالة والمساواة في صميم العمل العام.

خلال حملته الانتخابية، ركز ممداني على قضايا العمال، تجميد الإيجارات، تحسين التعليم وتوسيع الخدمات العامة. لكنه في الوقت نفسه خاض معركة مفتوحة ضد التيارات الصهيونية واليمينية التي حاولت شيطنته ووصفه بـ”الإرهابي” و”الشيوعي”. ورغم أن خصمه أندرو كومو حظي بدعم واسع وتمويل ضخم من جماعات ضغط نافذة، نجح ممداني في تحقيق فوز شعبي حاسم مستندا إلى تحالف واسع من الشباب والمهاجرين والطبقة العاملة.

تحليل الخطاب المحيط بممداني يكشف أبعادا أعمق من مجرد خلاف سياسي. فبحسب تقرير صادر عن منظمة “إيكواليتي لابز“، تعرّض ممداني لأكثر من 1.15 مليون منشور معادٍ للإسلام عبر منصات التواصل وصلت إلى نحو 150 مليار مشاهدة، بينما تجاوزت المنشورات التي وصفته بـ”الشيوعي” 1.4 مليون منشور حققت 330 مليار مشاهدة.
هذه الأرقام تعكس مستوى غير مسبوق من التحريض الإلكتروني الممنهج القائم على تداخل الإسلاموفوبيا مع كراهية اليسار والمهاجرين.

تقرير المنظمة أشار إلى أن 80% من المحتوى الهجومي استخدم رموزا لغوية مستمدة من الخطاب اليميني بعد أحداث 11 سبتمبر ما يؤكد استمرار استغلال صورة المسلم “التهديد” في الدعاية السياسية. كما أظهر التحليل أن شخصيات سياسية بارزة، من بينها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب و45 مسؤولا جمهوريا من 18 ولاية، شاركوا بشكل مباشر في هذا التحريض.

إلى جانب البعد المحلي، اكتسبت حملة الكراهية طابعا عابرا للحدود، إذ شارك فيها سياسيون وإعلاميون من الهند وإسرائيل وفرنسا والمملكة المتحدة مستهدفين موقف ممداني المؤيد لفلسطين ومعارضته لحكومة مودي في الهند.
إحدى الحملات التي موّلتها جماعات هندية في أمريكا حملت شعار “أنقذوا نيويورك من الانتفاضة العالمية، ارفضوا ممداني” في إشارة واضحة إلى محاولة ربطه بالعنف والإرهاب.

رغم هذه الضغوط، حافظ ممداني على خطابه الواضح: دعم العدالة الاجتماعية وتأكيد أن انتماءه الديني والثقافي لا يتناقض مع القيم الأمريكية بل يثريها. في تصريح له عقب فوزه، قال: “هذا الفوز ليس لي بل لكل من قيل له يوما إن اسمه أو أصله يمنعه من الحلم”.

تجربة زهران ممداني تتجاوز حدود السياسة المحلية في نيويورك. هي اختبار لمدى استعداد المجتمع الأمريكي لقبول تنوعه الداخلي كقيمة لا كتهديد.
الهجمات التي استهدفته أظهرت أن خطاب الكراهية ما زال قوة حاضرة في المشهد الغربي لكنه في الوقت نفسه كشف أن صناديق الاقتراع ما زالت قادرة على إحداث التغيير عندما يصوت الناس بضميرهم لا بخوفهم.
فوز ممداني ليس نهاية المعركة بل بداية لمرحلة جديدة في علاقة المسلمين والمهاجرين بالفضاء السياسي الأمريكي حيث يصبح الصوت المختلف جزءاً من القرار لا من الهامش.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى