آراء و مقالات

هجوم قطار جعفر: إرهاب منظم وحرب معلوماتية ضد باكستان

لقطة شاشة توثق لحظة الانفجار الذي ضرب قطار جعفر إكسبريس (newsarenaindia)

أمير زمان

شهدت باكستان مؤخرًا هجومًا إرهابيًا مروعًا استهدف قطار جعفر إكسبريس حيث احتجز مسلحون ركابًا كرهائن مما أدى إلى سقوط ضحايا بينهم نساء وأطفال. وبينما سارعت قوات الأمن إلى احتواء الأزمة، كشفت الحادثة عن أبعاد خطيرة تتجاوز مجرد هجوم مسلح إذ اندلعت بالتوازي حرب إعلامية ممنهجة لتشويه صورة الدولة الباكستانية على الساحة الدولية.

لم يكن الهجوم على قطار جعفر مجرد حادثة معزولة بل جاء ضمن استراتيجية مدروسة تتبعها الجماعات المسلحة، لا سيما جيش تحرير بلوشستان (BLA) وجبهة تحرير بلوشستان (BLF) المصنفتان كمنظمتين إرهابيتين. وتعتمد هذه الجماعات على تكتيكات الحرب الهجينة التي تجمع بين العنف المسلح والدعاية الإعلامية بهدف زعزعة الاستقرار الداخلي واستقطاب الاهتمام الدولي لقضيتهم.

أظهرت التحقيقات الأولية أن المسلحين استخدموا المدنيين كدروع بشرية في محاولة لإبطاء استجابة قوات الأمن وزيادة حجم التغطية الإعلامية للهجوم. وتشير تقارير استخباراتية إلى وجود اتصالات مباشرة بين منفذي العملية وعناصر مقيمة في أفغانستان مما يعزز الشكوك حول التورط الخارجي في دعم هذه الجماعات سواء لوجستيًا أو ماليًا.

لم يقتصر الهجوم على العمليات الميدانية بل تزامن معه تصعيد في الحرب الإعلامية حيث انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي روايات ملفقة وصور معدلة ومعلومات مبالغ فيها حول أعداد الضحايا. ويبدو أن هذه الحملة الإعلامية كانت تهدف إلى تقويض الثقة في أجهزة الأمن الباكستانية وإلقاء اللوم على الدولة بدلًا من التركيز على الجماعات الإرهابية المسؤولة عن الجريمة.

وشاركت في هذه الحملة جهات معادية لباكستان حيث أظهرت تحليلات رقمية أن بعض الحسابات التي نشرت معلومات مضللة كانت مرتبطة بمنصات إعلامية انفصالية مثل صحيفة بلوشستان (The Baluchistan Post) ولجنة وحدة بلوشستان (BYC). كما لوحظ نشاط مكثف لحسابات مجهولة يشتبه في ارتباطها بشبكات تضليل إعلامي مدعومة من الهند، سعت إلى الترويج لرواية تُحمّل الحكومة الباكستانية المسؤولية عن الفوضى الأمنية.

رغم الانتقادات التي طالت قوات الأمن بسبب تأخرها في إنهاء العملية إلا أن الخبراء العسكريين يؤكدون أن التعامل مع حالات احتجاز الرهائن يتطلب دقة عالية لتفادي سقوط مزيد من الضحايا. فالاندفاع غير المحسوب في مثل هذه المواقف قد يؤدي إلى خسائر أكبر وهو بالضبط ما كانت تسعى إليه الجماعات الإرهابية لاستغلال الحدث ضد الدولة.

ووفقًا لمصادر أمنية، فقد تمكنت القوات الخاصة من تحييد المسلحين دون إلحاق أضرار جسيمة بالمدنيين في عملية معقدة أكدت قدرة الأجهزة الأمنية على التصدي لمثل هذه التهديدات بأساليب مدروسة ومتأنية.

تشير تقارير استخباراتية إلى أن منفذي الهجوم تلقوا دعمًا من جهات خارجية، لا سيما من داخل أفغانستان حيث يُعتقد أن هذه الجماعات تمتلك معسكرات تدريب هناك. كما تؤكد مصادر أمنية أن الاستخبارات الهندية (رغم رفضها القاطع) قدّمت دعمًا لوجستيًا وماليًا لهذه التنظيمات في إطار سياسة الحرب بالوكالة التي تستهدف زعزعة الاستقرار في المناطق الحدودية الباكستانية.

ورغم الضغوط الدبلوماسية التي تمارسها إسلام آباد على كابول، فإن الحكومة الأفغانية المؤقتة لم تتخذ حتى الآن إجراءات حاسمة ضد هذه الجماعات مما يزيد من المخاوف بشأن تصاعد العنف في المنطقة.

على الجانب الآخر، أثار موقف بعض الشخصيات الإعلامية والسياسية داخل باكستان جدلًا واسعًا حيث اتُهم بعض الصحفيين والنشطاء بـ الترويج لروايات تدعم الجماعات المسلحة أو التقليل من وحشية الهجوم. ومن بين هؤلاء، برزت أسماء مثل إيمان مزاري وعادل رجا وأرزُو كاظمي الذين يتهمهم منتقدوهم بالانحياز إلى الخطاب الانفصالي بدلاً من الوقوف إلى جانب الضحايا.

كما أن بعض القادة القوميين البلوش مثل أختر مينغال رغم عدم تأييدهم الصريح للعنف، يواصلون انتقاد قوات الأمن بطريقة يُنظر إليها على أنها تخدم أجندات الجماعات المتمردة. ويرى مراقبون أن هذا النوع من الخطاب يساهم في خلق بيئة مواتية لتبرير الإرهاب مما يعزز التكتيكات الدعائية التي تعتمدها هذه الجماعات.

أثبت هجوم قطار جعفر أن التهديدات الأمنية التي تواجهها باكستان لم تعد تقتصر على العمليات الإرهابية التقليدية بل باتت تشمل حروبًا إعلامية ومعلوماتية تهدف إلى زعزعة الاستقرار الداخلي.

ولمواجهة هذه التحديات، يرى خبراء الأمن القومي أن باكستان بحاجة إلى تبني استراتيجية شاملة لمكافحة الحرب الهجينة، ترتكز على:

تعزيز الجهود الأمنية والاستخباراتية لملاحقة الجماعات المسلحة ومنع تكرار هجمات مماثلة.
تطوير استراتيجيات مضادة للحرب الإعلامية لمكافحة المعلومات المضللة التي تنتشر بعد كل هجوم إرهابي.
تكثيف الجهود الدبلوماسية للضغط على الجهات الخارجية المتورطة في دعم الإرهاب.
اتخاذ تدابير قانونية صارمة ضد الأفراد أو المنظمات التي تروج لروايات تخدم الجماعات الإرهابية.

لم يكن هجوم قطار جعفر مجرد عملية إرهابية معزولة بل كان جزءًا من مخطط أكبر يستهدف أمن باكستان واستقرارها السياسي والإعلامي. ورغم أن قوات الأمن نجحت في احتواء الموقف، فإن المعركة مع الإرهاب لم تنتهِ بعد بل انتقلت إلى ميادين جديدة، أبرزها الفضاء الرقمي والإعلامي.

إن مواجهة الإرهاب في العصر الحديث لم تعد تتطلب فقط الحلول العسكرية بل تحتاج إلى مقاربة أوسع تشمل السياسة والإعلام والتكنولوجيا والدبلوماسية. فالمعركة اليوم ليست فقط ضد الرصاص والمتفجرات بل أيضًا ضد الأكاذيب والتضليل الإعلامي وهو تحدٍّ يتطلب يقظة وطنية واستراتيجية متكاملة للحفاظ على أمن وسيادة باكستان.

المصدر: المقال باللغة الإنجليوية وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة ثاقب احمد والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا