
في خضم الصراع الدائر في سوريا، تتكشف خيوط معقدة من التحالفات المتناقضة والمصالح المتضاربة. فبينما تدعي تركيا التزامها بوقف إطلاق النار في إدلب، تظهر أدلة على دعمها غير المباشر للهجمات التي تشهدها المنطقة. هذا التناقض يكشف عن لعبة خطيرة تجري في الخفاء، حيث تتلاعب القوى الإقليمية والدولية بمصير الشعب السوري.
إدلب على حافة الانفجار: لعبة خطيرة بين أنقرة وموسكو
تناوَلَ الموقع الإخباري التركي Gazete Duvar في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 التطورات في سوريا على النحو التالي:
بدأت مساعي أنقرة للتقارب مع دمشق تدق ناقوس الخطر في صفوف الجماعات الجهادية والمعارضة في إدلب، والتي تشهد احتجاجات واسعة تعبر عن استيائها من هذه الخطوة. ويزيد من مخاوف هذه الجماعات تصريحات الرئيس الأمريكي الجديد حول رغبته في إنهاء الحروب، الأمر الذي قد يدفع الإدارة الأمريكية الجديدة إلى الضغط على تركيا لتغيير سياستها في سوريا.
في ظل هذه الظروف، تسعى الجماعات الجهادية إلى استغلال الوضع الحالي للضغط على تركيا، وابتزازها للحصول على مزيد من الدعم والتسهيلات. فهي تدرك جيدًا أن تركيا هي الشريان الحيوي الذي يمدها بكل ما تحتاجه من إمدادات، وأن قطع هذا الشريان يعني انهيارها.
ولعل السر وراء قدرة هذه الجماعات على التحكم في الوضع في إدلب يكمن في اعتمادها الكلي على المعابر الحدودية مع تركيا، وخاصة معبر باب الهوى. فبإغلاق هذا المعبر، ستفقد هذه الجماعات مصدر دخلها الرئيسي، وستنهار سيطرتها على المنطقة.
لا يبدو أن تركيا تشارك بشكل مباشر في تزويد الجيش الذي تقوده هيئة تحرير الشام بالطائرات المسيرة، حيث يُقال إن هذه الطائرات من أصل أوكراني. ولكن، من الواضح أن تركيا تقدم دعمًا سياسيًا ومعنويًا لهذه الهجمات. فقد صرَّح أحد المحللين بأن الدعم التركي غير المباشر هو عامل حاسم في نجاح الجماعات المسلحة في إدلب.
كما أن التصريحات الرسمية التركية تدعم هذا التفسير. فوزارة الخارجية التركية أشارت إلى أن الهجمات على إدلب هي السبب الرئيسي للتصعيد الحالي، وحملت النظام السوري المسؤولية عن هذه الهجمات. وهذا يعني أن تركيا تعتبر نفسها ضحية لهذه الهجمات، وأنها تدعم الجماعات المسلحة في إدلب ردًا على هذه الهجمات.
يواجه العالم مشكلة كبيرة تتعلق بتركيا، حسبما صرَّح المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية. وتتابع أنقرة عن كثب التطورات في سوريا، مع التركيز على الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها ومكافحة الإرهاب.
ولكن، عندما تتحدَّث تركيا عن “مكافحة الإرهاب”، فإنها تقصد الجماعات الكردية في مناطق مثل تل رفعت ومنبج، وليس الجماعات الجهادية في إدلب. وتُبرِّر ذلك بوجود اتفاقيات سابقة لم تُنفَّذ بشأن طرد هذه الجماعات الكردية.
على الرغم من أن تركيا تدعي أنها ملتزمة باتفاقات وقف إطلاق النار في إدلب، إلا أن الهجمات المستمرة التي تشنها الجماعات الجهادية في هذه المنطقة تتعارض مع هذه الادعاءات. فوفقًا لهذه الاتفاقات، يجب على تركيا كبح جماح هذه الجماعات ومنعها من شن هجمات.
وبالتالي، يمكن القول إن اتفاقات مثل سوتشي وأستانة لم تعد سارية المفعول، وأن الوضع في إدلب يزداد توترًا. علاوة على ذلك، فإن العلاقات بين تركيا وروسيا تدهورت بشكل كبير، مما زاد من تعقيد الأزمة السورية.
يشير الهجوم الذي تقوده هيئة تحرير الشام على حلب إلى تحول كبير في ميزان القوى في سوريا، مما قد يؤدي إلى تراجع نفوذ إيران وروسيا في المنطقة. فإذا نجحت هذه الهجمات، فإن النظام السوري سيضعف بشكل كبير، وستزداد قوة تركيا.
في حال سيطرة المعارضة على حلب، فمن المحتمل أن تطالب تركيا النظام السوري بتقديم تنازلات كبيرة. وقد يضطر النظام السوري إلى القبول بشروط أكثر صرامة في أي مفاوضات مستقبلية. كما أن هذا النصر قد يعزز من موقف تركيا في المنطقة، ويمكّنها من فرض شروطها على الأطراف الأخرى.
تركيا تحذر من تصعيد الأوضاع في إدلب وتطالب بوقف الهجمات
نقلاً عن الموقع الإخباري التركي Milliyet في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024
أصدر المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، أنجو كيجيلي، بيانًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أبدى فيه القلق إزاء التطورات الأخيرة في محافظة إدلب والمناطق المجاورة.
وجاء في البيان: “إن الحفاظ على الهدوء والاستقرار في محافظة إدلب والمناطق المجاورة، والتي تقع على حدودنا مباشرة، هي مسألة ذات أهمية قصوى لبلادنا. وقد تم التوصل إلى بعض الاتفاقات بشأن منطقة تخفيف التوتر في إدلب منذ عام 2017، وتعمل تركيا على تنفيذ هذه الاتفاقات بجدية وحس المسؤولية.”
وأضاف المتحدث أن “الهجمات الأخيرة على إدلب قد وصلت إلى مستوى يضر بروح وآلية اتفاقات أستانة، وتسبب في خسائر كبيرة في الأرواح بين المدنيين. وقد حذرنا مرارًا وتكرارًا في المحافل الدولية من هذه الهجمات وطالبنا بوقفها.”
وأشار البيان إلى أن “الاشتباكات الأخيرة قد أدت إلى تفاقم التوتر في المنطقة، مما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار بشكل أكبر وإلحاق المزيد من الأذى بالمدنيين الأبرياء، وهو ما تعتبره تركيا أمرًا غير مقبول.”
وشدد البيان على أن “تركيا تتابع عن كثب التطورات في المنطقة، وتعمل على حماية المصالح التركية والأمن القومي، مع التأكيد على أهمية وحدة سوريا وسلامة أراضيها ومكافحة الإرهاب.”
دعم تركيا لهيئة تحرير الشام (HTŞ) وتناقضات السياسة الدولية
كما تناوَلَ الموقع الإخباري التركي Evrensel في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 موقف تركيا من الأحداث على النحو التالي:
تثير العلاقة بين تركيا وهيئة تحرير الشام تساؤلات كبيرة حول طبيعة التحالفات الدولية والإقليمية في سوريا. ورغم تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية من قبل الأمم المتحدة وتركيا نفسها، إلا أن أنقرة تمارس سياسة ازدواجية تجاه هذه الجماعة.
وبرغم التصريحات الرسمية التركية التي تصنف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، إلا أن هناك أدلة على وجود تعاون بين الاستخبارات التركية (الميت) وهذه الجماعة. كما أن تواجد القوات التركية في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب يوفر لها حماية ضمنية.
الدلائل على الدعم التركي
تشير تقارير إلى تنسيق عمليات عسكرية مشتركة بين فصائل معارضة سورية مدعومة من تركيا وهيئة تحرير الشام. كذلك هناك أيضًا أدلة على أن تركيا تقدم الدعم اللوجستي لهيئة تحرير الشام، بما في ذلك الأسلحة والذخيرة. كما أن تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول هيئة تحرير الشام تتناقض مع التصنيف الرسمي لهذه الجماعة كمنظمة إرهابية.
أسباب الدعم التركي
تسعى تركيا إلى تقويض نفوذ حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا، وتعتبر هيئة تحرير الشام حليفًا في هذه المعركة. كما تسعى إلى منع سقوط محافظة إدلب في أيدي النظام السوري، وتعتبر هيئة تحرير الشام قوة عسكرية مهمة في هذه المنطقة.
حسابات أردوغان وتداعيات هجوم هيئة تحرير الشام على حلب
تكشف الأحداث الأخيرة في سوريا، ولا سيما الهجوم الذي شنته هيئة تحرير الشام على حلب، عن شبكة معقدة من التحالفات والمصالح المتضاربة بين القوى الإقليمية والدولية. وتكشف هذه الأحداث أيضًا عن الحسابات التي يقوم عليها النظام التركي في التعامل مع الأزمة السورية.
من الواضح أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى إلى تحقيق عدة أهداف من خلال دعم الهجوم الذي شنته هيئة تحرير الشام على حلب. يهدف أردوغان إلى الضغط على روسيا، الحليف الرئيسي للنظام السوري، لدفعه إلى التفاوض معه بشأن الملف السوري. كما يسعى إلى إضعاف النظام السوري، وفرض شروط على بشار الأسد للدخول في مفاوضات سياسية. كذلك يهدف إلى منع قيام دولة كردية في شمال سوريا، ويرى في هيئة تحرير الشام حليفًا في هذه المعركة.
كتابة وإعداد: ميرنا محمود