آراء و مقالات

ما الذي يخفيه اتفاق شرم الشيخ؟ قراءة في الدوافع والتداعيات

تعبيرية (UrKish)

ثاقب أحمد

بعد عامين من الحرب المدمرة على غزة ووسط تصاعد الغضب الدولي ضد إسرائيل، خرج إلى العلن اتفاق شرم الشيخ الذي وُصف بأنه نقطة تحول في مسار الصراع. ورغم أن تفاصيل مراحله الثلاث أصبحت معروفة إلا أن الأسئلة الجوهرية تدور حول خلفياته السياسية وأسبابه الحقيقية وموقف القوى الكبرى منه.

السؤال الأول الذي يفرض نفسه: هل هو اتفاق سلام حقيقي في الشرق الأوسط؟
الإجابة جاءت من موسكو. فقد كتب الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن، ديمتري ميدفيديف، على منصة “إكس”: “إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين أمر إيجابي لكنه لا يحل المشكلة. ما لم تُؤسس دولة فلسطينية كاملة وفق قرارات الأمم المتحدة، ستستمر الحرب”.
هذه الكلمات الصادرة عن ثاني أهم شخصية في النظام الروسي، تختصر نظرة القوة الثالثة في العالم إلى الاتفاق. فموسكو تعتبره هدنة اضطرارية أكثر من كونه حلا سياسيا دائما.

لكن هل هو بلا جدوى؟
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قدّم إجابة دقيقة: “توقف الدماء الكبيرة بحد ذاته إنجاز جيد”. بمعنى أن روسيا تراه مكسبا مؤقتا لكنه لا يغير جوهر الصراع.

التحول المفاجئ في الموقف الإسرائيلي هو ما يثير التساؤلات.
قبل أسابيع فقط، كان بنيامين نتنياهو يتحدث عن “محو غزة من الخريطة” وإبادة حماس بالكامل. لكن بعد سلسلة من الإخفاقات العسكرية والسياسية، اضطر للتراجع.
فحين فشلت عملياته في إنهاء حماس وارتدت عليه الحرب بانتقادات عالمية، حاول تحويل الأنظار نحو لبنان ثم إلى إيران لكنه واجه جدارا دوليا من الرفض.
ومع اتساع دائرة الغضب في الداخل الأمريكي، وجد دونالد ترامب نفسه مضطرا للتدخل لتثبيت ما يمكن إنقاذه من النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط.

هنا تبرز حادثتان شكلتا منعطفا خطيرا وأجبرتا واشنطن على تسريع مسار الاتفاق، وهذا ما أشار إليه المحلل العسكري الباكستاني “رعايت الله فاروقي” في مقال نشره موقع “We News“.

الواقعة الأولى هي مقتل تشارلي كيرك، أبرز الوجوه الجمهورية الشابة والذي كان يتلقى تمويلا سنويا ضخما من اللوبي الإسرائيلي، تمرد على الموقف التقليدي بعد أن تجاوزت المجازر في غزة كل حدود. بدأ بانتقاد تل أبيب علنا فتعرض للتهديد بقطع التمويل لكنه رفض التراجع.
ثم جاءت دعوة نتنياهو له لزيارة إسرائيل مع وعد بمضاعفة الدعم المالي لكنه رفض أيضا وقُتل بعد أيام.

التحقيقات الإعلامية التي قادها صحفيون أمريكيون مثل تاكر كارلسون وميجن كيلي وماكس بلومنثال، أشارت إلى أن كيرك كان يستعد لمغادرة الطائفة الإنجيلية وهي طائفة مسيحية تشكل 30 في المئة من سكان الولايات المتحدة وترى أن دعم إسرائيل واجب ديني يمهد لعودة السيد المسيح.
هذه الحادثة زلزلت الطائفة التي كانت تعتبر إسرائيل “مشروعا إلهيا“. فقد أدى مقتل كيرك ثم محاولة نتنياهو استغلال الحادثة سياسيا، إلى تآكل الثقة داخل القاعدة الإنجيلية المؤيدة لإسرائيل.

ترامب نفسه أدرك حجم التحول. فقد قال لنتنياهو مرتين خلال الأشهر الأخيرة:
“أنت تفقد دعم الشباب الأمريكي” و”العالم كله صار ضدك، لا يمكنك محاربة الجميع، أوقف الحرب”.

أما الواقعة الثانية فكانت الهجوم الإسرائيلي على قطر، الحليف الذي تستند إليه واشنطن منذ عقود في منظومتها الأمنية بالشرق الأوسط.
ذلك الهجوم ضرب مصداقية الضمانات الأمنية الأمريكية وفتح الباب أمام ترتيبات إقليمية جديدة كان أبرزها توقيع السعودية اتفاقا أمنيا مع باكستان، في إشارة واضحة إلى أن الثقة بواشنطن تتراجع.

كل ذلك وضع إدارة ترامب أمام مأزق مزدوج: انهيار دعم إسرائيل داخليا وتراجع الثقة الأمريكية خارجيا.
وكان الحل السريع هو اتفاق شرم الشيخ الذي هدف إلى تهدئة الجبهات ومنح واشنطن مساحة لإعادة ترتيب أوراقها.

مصادر أمريكية تؤكد أن ترامب لوّح بوقف المساعدات العسكرية والمالية لإسرائيل إذا لم توافق على الهدنة وهو ما دفع تل أبيب إلى التوقيع دون انتظار بقية المراحل. فإسرائيل من دون الدعم الأمريكي لا تستطيع الاستمرار عسكريا أو اقتصاديا.

حرب غزة التي استمرت عامين لم تغيّر موازين القوى فقط بل غيّرت أيضا طبيعة الأسئلة التي يطرحها العالم.
فالسؤال الذي يتردد اليوم في الأوساط السياسية والإعلامية هو:
هل يجب السماح باستمرار دولة تتصرف بهذا الشكل؟

هذا السؤال أصبح التهديد الأخطر لوجود إسرائيل نفسه.
ومن الواضح أن إدارة ترامب ستسعى لتخفيف حدته عبر إحياء اتفاقات أبراهام وتوسيعها لتبدو واشنطن وكأنها راعية “سلام جديد”، بينما الحقيقة أن ما جرى في شرم الشيخ ليس سلاما بل محاولة لتجميد حرب تجاوزت قدرة الجميع على تحملها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى