آراء و مقالات

مستقبل “السارك” في مهب التوترات الهندية-الباكستانية

تعبيرية (topperment)

تُعد رابطة دول جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (SAARC) أحد أبرز المشاريع التكاملية التي طُرحت في جنوب آسيا بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي بين دول الإقليم. إلا أن هذه الرؤية الوردية سرعان ما اصطدمت بواقع جيوسياسي معقد تهيمن عليه الخصومة التاريخية العميقة بين الهند وباكستان.
ومع تواصل التصعيد المتكرر بين الجارتين النوويتين يزداد الغموض المحيط بمستقبل هذه المنظمة التي لم تعقد أي قمة منذ عام 2014.

تاريخيًا، عانت “السارك” من حالة شلل وظيفي نتيجة الخلافات الثنائية خصوصا تلك بين نيودلهي وإسلام آباد. ويُعد إلغاء قمة إسلام آباد عام 2016 بعد الهجوم الذي استهدف قاعدة “أوري” العسكرية في كشمير مثالا حيا على كيف يمكن لخلافات ثنائية أن تشل عمل منظمة إقليمية تضم ثماني دول، وفق ما أورده موقع “Islamabad post“.
ومع أن عدة دول أعضاء أبدت اهتمامًا بإعادة تفعيل المنظمة فإن القضايا العالقة بين الهند وباكستان لا تزال تفرض نفسها كحاجز صلب أمام أي تقدم حقيقي.

في السنوات الأخيرة، بدا واضحًا أن الهند لم تعد ترى في “السارك” إطارا فعالا وبدأت بتوجيه بوصلتها نحو تكتلات بديلة وعلى رأسها “بيمستيك” (BIMSTEC) التي تضم دولًا من جنوب وجنوب شرق آسيا ولا تشمل باكستان.
هذه المقاربة الهندية تعكس قناعة متنامية في نيودلهي بأن تجاوز المعضلة الباكستانية يتطلب تغيير المسار بدلا من انتظار انفراج غير مضمون.

على الجانب الآخر، لا تزال باكستان تتمسك بالسارك كمنصة إقليمية فريدة وتطالب بضرورة إحيائها مؤكدة أن المنظمة لا تزال تمتلك الإمكانيات اللازمة لتعزيز الاستقرار والتنمية في المنطقة. وترى إسلام آباد أن السارك، بحكم شمولها جميع دول جنوب آسيا، لا يمكن استبدالها بتكتلات جزئية أو بديلة.

التوترات الأخيرة بين البلدين خاصة عقب هجوم “باهلجام” الذي اتهمت فيه الهند باكستان بالضلوع فيه زادت من تعقيد المشهد. وفي الوقت الذي طالبت فيه باكستان بتحقيق دولي شددت الهند لهجتها تجاه جارتها مما أجهض أي أمل قريب في استئناف الحوار الإقليمي تحت مظلة السارك. في مثل هذا المناخ من انعدام الثقة تصبح السارك رهينة لصراعات لا تبدو قريبة من الحل.

وبينما تلوح في الأفق تحديات إقليمية عابرة للحدود—من تغير المناخ إلى الأمن الغذائي وأزمات الطاقة—تبدو الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لإطار تعاون جماعي. إلا أن تفعيل هذا التعاون يظل مرهونا بإرادة سياسية صادقة ورغبة في تجاوز الخلافات التاريخية لصالح مصلحة الشعوب.

ختامًا، فإن مستقبل “السارك” يقف عند مفترق طرق حاسم. فإما أن تُعيد الهند وباكستان النظر في أولوياتهما الجيوسياسية وتبحثا عن صيغة للتعاون الإقليمي دون أن يكون ذلك مشروطا بتسوية نهائية لكل القضايا الثنائية، أو أن تستمر المنظمة في سباتها مفسحة المجال لتحالفات بديلة قد تُقصي بعض الأطراف وتكرس الانقسام أكثر مما تعالجه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا