
رعايت الله فاروقي
في السنوات الأخيرة، يشهد العالم الغربي تحوّلاً جذريًا في أنماط استهلاك المعلومات حيث يتزايد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للأخبار والتحليلات حتى بات الاعتقاد السائد هناك أن “السوشيال ميديا هو الإعلام البديل“. هذا التحول لم يأتِ من فراغ بل هو انعكاس مباشر لفقدان الثقة المتنامي في وسائل الإعلام التقليدية التي باتت تُتهم بالتبعية للسلطة وغياب حرية التعبير.
المشهد الإعلامي في الولايات المتحدة مثال حي على هذا التحول. قناة “سي إن إن” التي كانت يومًا من أعمدة الإعلام الأمريكي لم تعد تجذب أكثر من 300 ألف مشاهد خلال أوقات الذروة. السبب الرئيسي كما يراه الجمهور الأمريكي: هو سيطرة الرواية الرسمية على المحتوى الإعلامي وغياب الأصوات الحرة. أي محاولة للخروج عن هذا السياق يتم قمعها بسرعة حيث يُفصل الصحفي أو المعلق ويُدفع به إلى هامش المشهد.
هذا الفراغ استغلته قنوات اليوتيوب لتصبح الملاذ الجديد للأصوات الجريئة. بل إن وزارة الخارجية الروسية دعت مؤخرًا ثلاثة من مقدمي هذه القنوات – اثنين من أمريكا وواحد من أستراليا – إلى موسكو للقاء وزير الخارجية سيرغي لافروف في حوار استمر ساعة ونصف. لافروف الذي يُعد أحد أعمدة الدبلوماسية العالمية لا يقابل سوى شخصيات وازنة مما يعكس مكانة هؤلاء الإعلاميين الجدد.
من أبرز هؤلاء، القاضي المتقاعد “أندرو نابوليتانو” الذي تحول من قاضٍ ومحلل قانوني في “فوكس نيوز” إلى أحد المؤثرين على اليوتيوب. قناته لا تعتمد على آرائه فقط بل يستضيف نخبة من الشخصيات العالمية المرموقة مثل جون ميرشايمر صاحب نظرية “الواقعية الهجومية” والمعارض للحروب في أوكرانيا وغزة وجيفري ساكس الخبير الاقتصادي والمستشار المعروف لعدد من قادة العالم وأليستر كروك الضابط البريطاني السابق في الاستخبارات والمحلل المحنك، وسكوت ريتر ضابط سابق ومفتش أممي رفض فبركة تقارير عن أسلحة العراق.
اللافت في الغرب أن هذه الشخصيات رغم خلفياتها الرسمية الحساسة تحظى بالاحترام حتى بعد تقاعدها، بل يُنظر إليها كمصادر ثقة. مثال آخر هو “لاري جونسون“، ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، الذي بات ناقدًا شرسًا للسياسات الأمريكية، واستُضيف كذلك في موسكو.
لكن السؤال الجوهري يبقى: هل يمكن أن نطلق على السوشيال ميديا في عالمنا وصف “الإعلام البديل“؟ رغم أن الإعلام التقليدي لدينا يُتهم هو الآخر بالانحياز للروايات الرسمية إلا أن المحتوى السائد على منصات التواصل الاجتماعي لا يقدم البديل المنشود. على العكس، تنتشر فيه المعلومات السطحية ونظريات المؤامرة والتحليلات العشوائية.
أحد الأمثلة الشائعة، تداول قصة زائفة عن أن ترامب أطلق حرب التعريفات الجمركية من أجل التلاعب بسوق الأسهم لصالح شركته. تحليل كهذا يعكس جهلًا بالواقع الأمريكي حيث النظام الاقتصادي لا يسمح بهذا النوع من التلاعب، والسوق الأمريكية تتمتع بوعي يفوق حتى بعض “الخبراء” في منطقتنا.
لو استعان أحدهم بالذكاء الاصطناعي لعرف أن ترامب يعارض نظام السوق الحرة منذ الثمانينيات وكان يروج لفكرة العودة إلى الحماية التجارية منذ عقود. وعندما حاول تطبيق رؤيته لم تُفشله البورصة بل سوق السندات التي ضربت خطته في مقتل وأجبرته على التراجع.
الفرق بين السوشيال ميديا في الغرب وعالمنا ليس في التكنولوجيا بل في نوعية العقول التي تستخدمها. في الغرب، أصبح الإعلام البديل منصة للمفكرين والمحللين الحقيقيين بينما ما زلنا نعيش في فوضى “البوستات” والتعليقات السطحية. نحن لا نفتقر فقط إلى إعلام بديل… بل نفتقر إلى ثقافة بديلة.
المقال باللغة الأردية نشره موقع We News وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة ثاقب احمد، والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لـ UrKish News.