
ضياء جترالي
يُعد الحديث الشريف “إنما الأعمال بالنيات” واحدًا من أشهر الأحاديث في الإسلام يعرفه الكبير والصغير ويستشهد به العلماء والعامة على حدٍ سواء. بل إن بعض العلماء، مثل الإمام الشافعي اعتبروه يمثل ثلث العلم الديني كله. لهذا السبب بدأ الإمام البخاري كتابه “صحيح البخاري” بهذا الحديث وذكره الإمام مسلم في مقدمة “صحيحه”.
لكن المدهش أن هناك حديثًا آخر لا يقل أهمية وهو: “إنما الأعمال بالخواتيم” والذي أورده البخاري تحت باب “الأعمال بخواتيمها”. فكما أن صلاح العمل يبدأ بنية خالصة فإن العبرة الحقيقية تكون بكيفية النهاية والخاتمة.
عند التأمل في الحديثين معًا تتضح لنا قاعدة ذهبية: الإخلاص شرط أساسي لقبول العمل في بدايته، والثبات على الإيمان حتى آخر لحظة هو الضمان الحقيقي لحسن الخاتمة.
بمعنى آخر، لا قيمة لعملٍ بدأ بنية صالحة ثم انتهى بانحراف وضياع. والأمر يشبه طالبًا اجتهد عامًا كاملًا ثم أهمل الامتحان فكان مصيره الفشل. لهذا جاء تحذير القرآن واضحًا: “ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون” (آل عمران). وسيدنا يوسف عليه السلام، رغم صلاحه وتقواه دعا ربه بقوله: “توفني مسلمًا وألحقني بالصالحين” (يوسف: 101). بل حتى النبي ﷺ علّمنا أن ندعو قائلين: “اللهم اجعل خير عمري آخره وخير عملي خواتمه“.
قصة عبدالله القصيمي: عالم تحوّل إلى ملحد
عبدالله القصيمي (1907-1996م) كان أحد كبار العلماء في السعودية مدافعًا عن السنة ومؤلفًا لكتب قوية في الرد على الشبهات، حتى لقّبه البعض بـ “ابن تيمية الثاني“. كان إمام الحرم المكي يثني عليه علنًا في خطب الجمعة.
لكن في السبعينيات، وقع القصيمي في حب فتاة مسيحية في بيروت فبدأت رحلته في التشكيك والتراجع. شيئًا فشيئًا، انقلب على الدين كله وألّف كتبًا تدعو للإلحاد مثل: “يكذبون كي يروا الإله جميلًا” و “هذه هي الأغلال”. وفي نهاية المطاف، أعلن كفره بالله جهارًا ثم مات بمرض السرطان عام 1996م.
قصة طه حسين: من الشك إلى اليقين
طه حسين (1889-1973م) الأديب المصري ووزير التعليم الأسبق، عاش طفولته متدينًا يدعو للعودة إلى الدين. لكن بعدما سافر إلى فرنسا للدراسة، تأثر بالثقافة الغربية وتزوج من فتاة مسيحية تُدعى “سوزان”. عاد بعدها مشككًا في التراث وألّف كتاب “في الشعر الجاهلي” حيث شكك في وجود الأنبياء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
لكن مع تقدّم العمر، بدأ قلبه يعود تدريجيًا للإيمان. كتب عن السيرة النبوية بحب وزار الحجاز عام 1955م وهناك بكى عند الحديبية وقال: “هذه الأرض تفوح منها رائحة رسول الله ﷺ“. وفي مكة، ظل متعلقًا بالكعبة وعندما قيل له إن طريق المدينة مغلق بسبب السيول صرخ: “لا أستطيع العودة دون زيارة النبي… أنا لم آتِ بإرادتي بل جئتُ بدعوة منه ﷺ”.
وفي المدينة، قال جملة تلخص رحلته كلها: “لقد عدتُ إلى وطني الحقيقي… قلبي وروحي هنا”. وفي وصيته الأخيرة، طلب أن يُكتب على قبره دعاء النبي ﷺ:
“اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض أنت الحق ووعدك الحق والجنة حق والنار حق والأنبياء حق ومحمد ﷺ حق والساعة حق. اللهم لك أسلمتُ وبك آمنتُ وعليك توكلتُ وإليك أنبتُ وبك خاصمتُ وإليك حاكمتُ فاغفر لي ما قدّمتُ وما أخّرتُ وما أسررتُ وما أعلنتُ. أنت إلهي لا إله إلا أنت.”
بين عبدالله القصيمي الذي انتهى بالإلحاد وطه حسين الذي عاد إلى الله بدموع التوبة يتجسد المعنى الحقيقي: ليست العبرة بالبدايات بل بالنهايات.
اللهم ارزقنا حسن الخاتمة وثبّت قلوبنا على دينك حتى نلقاك.
المصدر: المقال باللغة الأردية وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة ثاقب احمد والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.