آراء و مقالات

الفيتو في مجلس الأمن: أداة حماية أم عقبة أمام العدالة الدولية؟

تعبيرية (alamy)

حسن محمود

منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945، شكّل مجلس الأمن أعلى هيئة تنفيذية دولية مسؤولة عن حفظ السلم والأمن العالميين. إلا أن هذا المجلس، رغم قوته القانونية، يواجه تحديا حقيقيا يعرقل فعاليته يتمثل في “حق النقض” أو الفيتو الذي يمنح للأعضاء الدائمين الخمسة: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين.
وتُستخدم هذه الأداة كثيرا في ملفات حساسة وعلى رأسها النزاع في الشرق الأوسط وبالأخص قضية فلسطين.

تاريخياً، استُخدم الفيتو من قبل الولايات المتحدة 90 مرة في مجلس الأمن وتركزت أكثر من نصف هذه الحالات على حماية إسرائيل من إدانة أو ضغوط دولية.
ويرتكز هذا الاستخدام على قضايا متعددة مثل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعمليات العسكرية في لبنان وغزة. كان أول استخدام أمريكي للفيتو في هذا السياق عام 1972 لمنع قرار يدين إسرائيل على عدوانها في لبنان ومنذ ذلك الحين أصبح الفيتو الأمريكي بمثابة درع يحمي إسرائيل من الإجراءات الدولية لا سيما خلال ثمانينيات القرن الماضي حين استخدمته واشنطن 21 مرة في ثماني سنوات فقط.

وفي أحدث التطورات، أثناء الحرب على غزة عام 2023، برز الدور الأمريكي مجددا عندما منعت الولايات المتحدة صدور قرار من مجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق النار متذرعة بأن هناك جهودا دبلوماسية مستمرة.
كما استخدمت الفيتو ضد قرار يدعو إلى “وقفات إنسانية” في 18 أكتوبر بحجة عدم إدانة القرار لهجمات حماس وعدم تأكيد حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، كما أثار استخدام الفيتو الأمريكي مساء الأربعاء في 4 يونيو 2025 ضد مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة، موجة واسعة من الغضب بين الدول الأعضاء.
وفي الوقت ذاته، مارست روسيا والصين الفيتو ضد مشروع قرار أمريكي يطالب بالإفراج عن الرهائن وتسهيل دخول المساعدات إلى غزة مبررين موقفهم بعدم وجود دعوة واضحة لوقف إطلاق النار.

وبسبب عجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرارات ملزمة في هذه الأزمة، لجأت الدول الأعضاء إلى الجمعية العامة التي أصدرت في 12 ديسمبر قرارا يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، إلا أن هذه القرارات تفتقر إلى القوة القانونية والملزمة ما يطرح تساؤلات جدية حول فعالية النظام الدولي حين تتعارض مصالح القوى الكبرى مع إرادة الأغلبية.

تكشف هذه الحالة ازدواجية المعايير التي تتبناها القوى الكبرى داخل مجلس الأمن؛ إذ بينما كانت الدول الغربية سريعة في إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا وفرض العقوبات عليه، تكرر الولايات المتحدة استخدام الفيتو لحماية إسرائيل من المساءلة على انتهاكات حقوق الفلسطينيين. هذا الواقع يعمق منطق القوة ويهدد مصداقية الأمم المتحدة كمؤسسة تعبر عن إرادة المجتمع الدولي.

يرى العديد من الخبراء والدبلوماسيين أن إصلاح مجلس الأمن ضرورة حتمية، لكن غياب توافق دولي على هذه الخطوة يعني أن الدول الخمس الكبرى ستظل تحتفظ بأدوات تعطيل عمل المجلس.
إن استخدام الفيتو الأمريكي لحماية إسرائيل في ظل الانتهاكات المستمرة لحقوق المدنيين الفلسطينيين يكشف عن خلل أخلاقي وبنيوي في النظام الدولي يعطل تطبيق القانون الدولي ويجعل القوة السياسية فوق العدالة.

ومن الجدير بالذكر أن الفيتو ليس حكراً على الولايات المتحدة وحدها، فقد استخدمته الدول الخمس دائمة العضوية أكثر من 290 مرة منذ 1946.
الاتحاد السوفييتي وروسيا كانا من أكثر مستخدميه، وكذلك الصين وفرنسا وبريطانيا، كل في مواقف دفاعا عن مصالحها الجيوسياسية. لكن ما يثير القلق ليس عدد الاستخدامات بل طبيعة الملفات التي أُجهضت فيها النقاشات أو عُوقبت المحاولات الدولية لوضع حد للجرائم أو انتهاكات حقوق الإنسان.

المفارقة أن أكثر أنواع الفيتو تأثيرا هو ما يُعرف بـ”الفيتو الخفي” حيث تهدد دولة دائمة العضوية باستخدام الفيتو قبل التصويت مما يؤدي إلى سحب مشروع القرار دون تسجيل رسمي للاستخدام. هذا النوع من الفيتو يغيب عن الضوء العام ويُضعف من شفافية المجلس ويقلل من قدرته على إدارة الأزمات.

في السنوات الأخيرة، برزت مبادرات متعددة لتقييد استخدام الفيتو خصوصا في حالات الجرائم الجماعية منها دعوات قمة الألفية إلى التزام أخلاقي بعدم استخدام الفيتو في هذه الحالات. وتشكّلت أيضا مجموعة “المساءلة والاتساق والشفافية” ACT التي حظيت بدعم 120 دولة من ضمنها دولتان دائمتا العضوية لكن هذه المبادرات لم تحقق حتى الآن نتائج ملموسة.

في محاولة لتعويض فشل مجلس الأمن، بدأت الجمعية العامة في اتخاذ زمام المبادرة. ففي آلية جديدة، يُحال استخدام الفيتو تلقائيا إلى الجمعية العامة للنقاش بهدف زيادة الشفافية والمساءلة. كما أشار رئيس الجمعية العامة مؤخرا، فإن الفيتو لم يعد نهاية النقاش بل بداية لفتح حوار عالمي حوله.

يجد كثير من الأكاديميين أن المادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة تعكس واقعا غير ديمقراطي، يتعارض مع مبدأ المساواة بين الدول الأعضاء المنصوص عليه في المادة 1(2) من الميثاق. ومع ذلك، يظل التغيير صعبا لأن تعديل المادة 27 يتطلب موافقة الدول الخمس الكبرى نفسها وهو أمر شبه مستحيل سياسيا.

رغم كل ذلك، فإن المطالبة بترشيد أو تقييد استخدام الفيتو ليست فقط مطلبا أخلاقيا أو قانونيا بل ضرورة عملية لضمان قدرة مجلس الأمن على أداء مهامه في عالم متغير ومعقد. فالفيتو، الذي وصفه البعض بأنه “حق الأقوياء في قول لا” غالبا ما يتحول إلى “حق الأقوياء في تجاهل الضعفاء“.

ومع استمرار النزاعات الكبرى من سوريا إلى أوكرانيا ومن غزة إلى السودان، تزداد الأصوات المطالبة بمساءلة الدول الخمس الكبرى عن استخدام هذا الحق وفتح نقاش عالمي حقيقي حول متى يكون الفيتو أداة لحفظ السلام ومتى يتحول إلى سبب في إدامة الظلم.

إنه تحدٍ كبير أمام النظام الدولي وهدية إلى الأصوات التي تسعى إلى تحويل مجلس الأمن من ساحة للأقوياء فقط إلى منصة حقيقية لحفظ السلم والأمن لجميع شعوب العالم.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا