
ناقش خبراء من جامعة نورث إيسترن (Northeastern) بوسطن مستقبل الاقتصاد العالمي في ظل المنافسة المتزايدة بين الصين والولايات المتحدة. وكان أبرز ما تم التطرق إليه هو التغيرات التي يشهدها النظام الاقتصادي العالمي في ضوء تصاعد قوة الصين وظهور تحديات هيكلية أمامها مما يثير تساؤلات حول إمكانية هيمنتها على الاقتصاد العالمي.
الولايات المتحدة والصين: القوة الاقتصادية القادمة
أوضح مايكل إنرايت أستاذ الأعمال العالمية في جامعة نورث إيسترن في المناقشة التي عُقدت في الحرم الجامعي أن الولايات المتحدة والصين سوف تستحوذان على نحو 22%-23% من الاقتصاد العالمي. هذا التوقع يعكس تراجع هيمنة الغرب الذي كان يسيطر على أكثر من 50% من الاقتصاد العالمي خلال العقود الماضية مما مكنه من وضع قواعد التجارة والاستثمار الدولية.
إنرايت أشار إلى أن الأيام التي كان فيها الغرب وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، يهيمن على الاقتصاد العالمي قد ولى زمنها. ورغم ذلك، أكّد أن التوقعات المستقبلية تظل غير مؤكدة حيث أضاف: “لا نعرف ما إذا كنا سنشهد نظامًا تجاريًا موحدًا قائمًا على القواعد أم عالمًا مجزأً يسوده منطق القوة.” وقال إن قرارات الاتحاد الأوروبي والهند والدول الأخرى قد تلعب دورًا محوريًا في تحديد اتجاه الاقتصاد العالمي.
التحديات التي تواجه الصين
رغم أن الصين تتصدر المشهد كأحد أقوى الاقتصادات في العالم إلا أن هناك العديد من التحديات الهيكلية التي تهدد قوتها الاقتصادية على المدى الطويل. وأشار إنرايت إلى أن الصين تواجه تباطؤًا في النمو وتضخمًا في فقاعة العقارات وانخفاضًا في أعداد القوى العاملة، بالإضافة إلى تأثيرات كوفيد-19 التي لا تزال تلقي بظلالها على الاقتصاد الصيني.
كما أضاف إنرايت أن الصين قد تصبح أكبر اقتصاد في العالم ولكن التحولات الحالية في سياسات الدولة وخاصة الانتقال من النمو الاقتصادي إلى الاكتفاء التكنولوجي، تشير إلى أن الصين لن تصبح القوة الاقتصادية المهيمنة كما كان يُتوقع سابقًا. التوترات بين الشرق والغرب قد تُعقّد المسار الاقتصادي للصين رغم جهودها في تعزيز قوتها التكنولوجية.
فرص في السوق الصينية
من جهته، تحدث ديفيد فيتي نائب الرئيس في شركة بوز عن تجربته الأخيرة في الصين مشيرًا إلى أن هناك فرصة جيدة للأعمال التجارية في الصين رغم التحديات. وأوضح أنه تأثر بحجم الاستثمارات التي قامت بها الصين في البنية التحتية والذكاء الاصطناعي خلال فترة الجائحة. ولفت إلى أن الصين قد أظهرت تقدماً كبيرًا في مجال الأتمتة والتعليم العالي مما يجعلها من القوى الاقتصادية الرئيسية في المستقبل.
الاقتصاد العالمي: مرحلة التحول نحو التعددية
من ناحية أخرى، قال رافي رامامورتي مؤسس ومدير مركز الأسواق الناشئة في جامعة نورث إيسترن: إن الاقتصاد العالمي يمر حاليًا بمرحلة تحول كبيرة متوقعًا أن يتباطأ النمو السكاني بشكل كبير خلال الخمسين عامًا المقبلة. وأكد أن العالم يتجه نحو نموذج متعدد الأقطاب وهو تحول قد يغير الديناميكيات الاقتصادية والسياسية بشكل غير مسبوق.
وأشار رامامورتي إلى أن الحماية الاقتصادية قد تصبح سمة مميزة في المستقبل مع تزايد الاتجاهات الحمائية التي قد تؤدي إلى تفكك الأسواق العالمية.
تزايد المنافسة والتوترات الجيوسياسية
وفيما يتعلق بتأثير الجغرافيا السياسية على الاقتصاد، قالت سمينة كريم أستاذة ريادة الأعمال في الجامعة: إن التوترات الجيوسياسية قد تؤدي إلى تقلص الاستثمارات الأجنبية في بعض المناطق مما يزيد من المنافسة بين الدول على حصة السوق العالمية. وأضافت أنه مع زيادة عدم اليقين السياسي في بعض البلدان يمكن أن يتم حظر الاستحواذات عبر الحدود.
البحث عن بدائل للدولار الأمريكي
أشار فابريسيوس سوموجي أستاذ المالية بجامعة نورث إيسترن إلى أن التغيرات الاقتصادية الحالية قد تدفع الدول إلى البحث عن بدائل للدولار الأمريكي بما في ذلك اليورو والعملات الرقمية. ومع ذلك، أوضح أن الصين رغم قوتها الاقتصادية المتزايدة لا تزال تواجه تحديات قد تمنعها من استبدال الدولار كعملة مهيمنة عالميًا.
من جانب آخر، أكد رافي ساراثي أستاذ الأعمال الدولية في الجامعة: أن العملات المشفرة قد تكون خيارًا آخر في المستقبل لكنه أضاف أن الحكومات ستسعى للحفاظ على سيطرتها على الأنظمة النقدية والمالية.
البشرية ثابتة في عصر التحولات الرقمية
في خضم هذه التحولات الكبيرة، أشارت ديفيكا بولشانداني الرئيسة التنفيذية لشركة “أوغلفي” إلى أن ما لم يتغير هو الدوافع الإنسانية. وتحدثت عن تجربتها الشخصية حيث حققت طموحاتها المهنية في صناعة الإعلان وأصبحت أول امرأة من خلفية غير بيضاء تدير وكالة إعلانات عالمية. وأضافت أن السعي وراء العظمة وتحقيق النجاح من أجل الخير هما العناصر الأساسية التي يجب أن يستند إليها كل فرد في عصر التحولات الاقتصادية.
في الختام، تشير هذه المناقشات إلى أن العالم يواجه مرحلة تحول حاسمة في هيكل الاقتصاد العالمي. ففي حين أن الصين تواصل صعودها كقوة اقتصادية إلا أن هناك العديد من التحديات التي قد تحد من هيمنتها على الاقتصاد العالمي. بينما تبقى الولايات المتحدة في موقع قوة إلا أن ظهور قوى جديدة قد يعيد تشكيل ملامح النظام الاقتصادي العالمي في السنوات القادمة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.