
في ظل التصعيد المتواصل بين إيران وإسرائيل، تبدو باكستان كطرف مراقب بدقة وربما كفاعل مستتر يستعد لمرحلة ما بعد التصعيد. فما يجري ليس مجرد صراع بعيدا عن حدودها بل تطور قد يعيد تشكيل الخارطة الجيوسياسية على تخومها الغربية. ويبدو أن إسلام آباد لا ترى في بقاء النظام الإيراني الحالي خيارا إيرانيا صرفا بل ضرورة استراتيجية لها قبل أي طرف آخر.
لفهم موقف باكستان، لا يمكن تجاهل تجربتها مع أفغانستان خلال الحرب الباردة حين منعت الاتحاد السوفيتي من ترسيخ أقدامه في كابل ثم عادت لتلعب دورا مشابها، وإن كان أقل صراحة، في ظل الوجود الأمريكي خلال العقدين الماضيين. كان الدافع في الحالتين هو حماية أمنها القومي من تحول أفغانستان إلى منصة عدائية.
اليوم، يواجه باكستان سيناريو مشابها لكن هذه المرة في إيران. فزوال النظام الحالي في طهران لا يعني فقط سقوط حليف إقليمي أو جار مؤثر بل يعني عمليا تسليم إيران – بكل ما تمثله من ثقل استراتيجي – إلى النفوذ الأمريكي والإسرائيلي.
عندها، ستصبح طهران قاعدة متقدمة لطرفين طالما اعتبرتهما إسلام آباد تهديدا مباشرا ما سيجعل الحدود الغربية لباكستان عرضة لاختراقات أمنية واستخباراتية غير مسبوقة.
وربما لهذا السبب، بدأت ملامح التفاعل الباكستاني تتشكل بهدوء. فقد لوحظ خلال الأيام الماضية أن الإعلام الإيراني وحتى المنصات الشعبية يثنون بشكل غير معتاد على باكستان.
كما أن تصريحات لافتة ظهرت من شخصيات باكستانية بارزة مثل وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف ومولانا فضل الرحمن تصب في خانة الدعم العلني لطهران ما يشي بأن هناك تمهيدا مدروسا لموقف أكثر جرأة في المستقبل القريب.
التجربة الباكستانية في أذربيجان ليست ببعيدة. ففي النزاع بين باكو ويريفان، برزت إشارات إلى دور باكستاني غير معلن لكنه مؤثر بما يكفي ليظهر في الشارع الأذري احتفاء وعرفانا. هذه القدرة على العمل دون إعلان صريح تمنح باكستان ميزة استراتيجية في إدارة الأزمات وقد تكون بصدد تكرارها في الحالة الإيرانية.
أما من الناحية العسكرية، فالمواجهة القائمة حاليا بين إيران وإسرائيل ما تزال محصورة في المجال الجوي حيث تملك باكستان سجلا تاريخيا يُحسب لها.
فمشاركات طياريها في حروب العرب مع إسرائيل تثبت أن سلاح الجو الباكستاني لا يُستهان به وقد دوّن في سجله إسقاط عدة طائرات إسرائيلية على يد طيارين مثل سيف الأعظم وعبد الستار علوي ونور خان الذي تولى لاحقا قيادة سلاح الجو.
هذه السيرة تمنح باكستان رصيدا من الردع تفهمه تل أبيب جيدا وربما تفسر صمتها تجاه إسلام آباد.
من الصعب الجزم بمآلات الحرب الراهنة لكن من السهل استنتاج أن باكستان لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما بات النظام الإيراني في مهب السقوط.
وحينها، فإن تحركا مباشرا – لا سيما جويا – سيكون خيارا مرجحا ليس بدافع الولاء لطهران بل لحماية توازن الردع الإقليمي ومنع تمدد العدو نحو حدودها.
في النهاية، لا تنطلق باكستان من مواقف عاطفية أو عقائدية بل من وعي استراتيجي بأن زوال إيران الحالية هو بداية خطر قد لا يُمكن احتواؤه لاحقا وأن الدفاع عن طهران قد يكون في جوهره دفاعا عن نفسها.
االمقال باللغة الأردية كتبه الصحفي الباكستاني رعايت الله فاروقي وتم نقله إلى اللغة العربية بواسطة حسن محمود والآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.