
منذ تأسيس الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، ظهرت تيارات يهودية متباينة في مواقفها من فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين. وبينما كان معظم اليهود يدعمون المشروع الصهيوني، ظهرت مجموعات دينية اعتبرته خروجًا عن التعاليم اليهودية التقليدية. من بين هذه المجموعات تبرز جماعة ناطوراي كارتا التي تُعرف بموقفها الرافض لإسرائيل وتأييدها للحقوق الفلسطينية.
من هم ناطوراي كارتا؟
تعني كلمة “ناطوراي كارتا” باللغة الآرامية “حراس المدينة” وقد تأسست الجماعة عام 1938 في القدس كفرع من اليهود الحريديم المناهضين للصهيونية. ويرى أعضاؤها أن إنشاء دولة إسرائيل يمثل انتهاكًا للعقيدة اليهودية حيث يؤمنون بأن اليهود في حالة “منفى إلهي” لا يمكنهم إنهاؤه إلا بقدوم المسيح المنتظر. وبناءً على هذا الاعتقاد فإن أي محاولة لإقامة دولة يهودية قبل هذا الحدث تُعد تحديًا للإرادة الإلهية.
الأسس الدينية لمعارضتهم الصهيونية
تعتمد ناطوراي كارتا على تفسير خاص لمقطع من التلمود يُعرف بـ”العهد الثلاثي” الذي ينص على ثلاث قواعد رئيسية تحكم علاقة اليهود بالعالم:
- عدم العودة الجماعية إلى أرض فلسطين قبل قدوم المسيح.
- عدم التمرد على الأمم التي يعيشون بينها.
- عدم اضطهاد الأمم لليهود بشكل مفرط.
يرى أتباع ناطوراي كارتا أن الحركة الصهيونية خرقت العهد الأول عبر تشجيع الهجرة الجماعية إلى فلسطين وانتهكت العهد الثاني عبر التمرد على الحكم البريطاني والسلطات العثمانية مما أدى -حسب اعتقادهم- إلى نقض العهد الثالث، وهو ما يفسرون به المآسي التي لحقت باليهود في العصر الحديث بما في ذلك المحرقة النازية.
موقفهم من القضية الفلسطينية
منذ إعلان قيام إسرائيل عام 1948، اتخذت ناطوراي كارتا موقفًا حادًا ضد الدولة الوليدة ورفضت الاعتراف بشرعيتها. وعلى مر السنين، عززت الجماعة علاقاتها مع القادة الفلسطينيين حيث التقوا مرارًا بزعماء منظمة التحرير الفلسطينية مؤكدين موقفهم الرافض للاحتلال الإسرائيلي.
في العقود الأخيرة، شارك أعضاء ناطوراي كارتا في فعاليات واحتجاجات مؤيدة للفلسطينيين كما زار بعضهم قطاع غزة والضفة الغربية للتعبير عن تضامنهم مع السكان الفلسطينيين. كما حضر بعض ممثليهم مؤتمرات دولية نظمتها دول مثل إيران؛ حيث عبروا عن رفضهم لممارسات الاحتلال الإسرائيلي وشددوا على أن المشكلة ليست بين اليهود والمسلمين، بل بين الصهيونية والشعوب التي تعاني من سياساتها التوسعية.
علاقتهم بالحركات الفلسطينية والعربية
بالرغم من أن ناطوراي كارتا أقلية صغيرة داخل المجتمع اليهودي، فإن مواقفهم أثارت اهتمامًا واسعًا في العالم العربي والإسلامي. ففي عام 1980، التقى ممثلهم موشيه هيرش برئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، في خطوة اعتبرتها الجماعة دليلًا على أن اليهود يمكنهم العيش في سلام مع الفلسطينيين دون الحاجة إلى دولة إسرائيل. كما أيدوا حل الدولة الواحدة حيث يعيش اليهود والفلسطينيون تحت نظام سياسي واحد مع ضمان الحقوق المتساوية للجميع.
التداعيات السياسية لموقفهم
من الناحية السياسية، تعتبر ناطوراي كارتا جماعة هامشية داخل المجتمع اليهودي حيث لا يتجاوز عدد أتباعها بضعة آلاف. ومع ذلك، فإنهم يشكلون رمزًا هامًا للمقاومة اليهودية للصهيونية مما يسهم في كسر الصورة النمطية التي تروج لها إسرائيل بأن جميع اليهود يدعمون مشروعها الاستيطاني.
وبالرغم من تعرضهم لانتقادات شديدة من قبل التيار اليهودي العام إلا أن خطابهم يلقى قبولًا متزايدًا لدى الحركات الداعمة لفلسطين حيث يُنظر إليهم كدليل على أن المعارضة للصهيونية ليست مقصورة على المسلمين أو العرب، بل تشمل أيضًا بعض الجماعات اليهودية التي ترفض المشروع الصهيوني من منطلق ديني وأخلاقي.
ختاما، سواء اتفق المرء أو اختلف مع مواقف ناطوراي كارتا فلا يمكن إنكار أنهم يمثلون جزءًا من المشهد الديني والسياسي اليهودي. ومن خلال مواقفهم المعارضة للصهيونية، يساهمون في إبراز خطاب يهودي مختلف يعترف بحقوق الفلسطينيين، ويرفض الاحتلال والتمييز الذي تمارسه إسرائيل. هذا يعيد التأكيد على أن القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع ديني بل هي قضية حقوق إنسانية تهم الجميع، بمن فيهم اليهود المناهضون للصهيونية.
المصدر: UrKish News