
مع بداية ولايته الثانية، أحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هزة سياسية غير مسبوقة في الداخل والخارج. وبينما انشغل العالم بقراراته التي تعيد تشكيل النظام الدولي كانت السياسات الداخلية للإدارة الجديدة تثير قلقًا متزايدًا، إذ يُنظر إليها على أنها تهديد مباشر للديمقراطية الأمريكية، وفق تقرير أورده موقع “The Conversation“.
التضييق على القضاء
اتخذت إدارة ترامب قرارات مثيرة للجدل من بينها الترحيل الجماعي وإلغاء حق المواطنة لأبناء المهاجرين غير الشرعيين، إضافة إلى تسريح عدد كبير من الموظفين الحكوميين في إطار سياسة جديدة أطلق عليها اسم “وزارة كفاءة الحكومة” (DOGE) التي يديرها رجل الأعمال إيلون ماسك.
لكن القضاء الأمريكي لم يقف مكتوف الأيدي، إذ أصدرت المحاكم الفيدرالية عدة أحكام بوقف تنفيذ بعض هذه السياسات. إلا أن رد فعل الإدارة لم يكن احترامًا لقرارات السلطة القضائية بل شن ترامب هجومًا حادًا على القضاة واصفًا أحدهم بأنه “راديكالي يساري فاسد” ودعا إلى عزله. هذا التصعيد دفع رئيس المحكمة العليا جون روبرتس إلى التدخل والتأكيد على ضرورة احترام آلية الاستئناف القضائي.
في موازاة ذلك، استهدفت إدارة ترامب بعضًا من كبريات مكاتب المحاماة في البلاد ومنعت إحداها من التعامل مع الحكومة الفيدرالية، فقط لأن أحد محاميها كان جزءًا من التحقيق في التدخل الروسي في انتخابات 2016.
خنق حرية الصحافة
لم تقتصر سياسات ترامب القمعية على القضاء فحسب بل امتدت إلى وسائل الإعلام. فقد تم حظر عدد من المؤسسات الإعلامية الكبرى من تغطية المؤتمرات الصحفية في البنتاغون كما قلّص البيت الأبيض وصول وكالات الأنباء، مثل “أسوشيتد برس” إلى الفعاليات الرسمية مما أدى إلى تهميش وسائل الإعلام المستقلة.
ويرى مراقبون أن هذه الإجراءات تمثل هجومًا غير مسبوق على حرية الصحافة، إذ تحاول الإدارة الحالية تقويض دور الإعلام في محاسبة السلطة وكشف الحقائق للجمهور.
الضغوط على الجامعات
لطالما كانت الجامعات الأمريكية منابر لحرية الفكر والتعبير لكنها أصبحت الآن في مرمى نيران إدارة ترامب التي ترى في المؤسسات الأكاديمية معاقل لنشاط سياسي مناهض لها. وجاءت جامعة كولومبيا في مقدمة المستهدفين حيث ألغت الإدارة عقودًا فيدرالية بقيمة 400 مليون دولار معها بدعوى فشلها في التصدي للتحرش المعادي للسامية داخل الحرم الجامعي.
أمام هذا الضغط الهائل، استسلمت الجامعة ووافقت على إعادة هيكلة سياساتها التأديبية ومراجعة برامجها الدراسية لا سيما تلك المتعلقة بالشرق الأوسط. ورغم ذلك، قرر عدد من أساتذة الجامعة رفع دعوى قضائية ضد الحكومة متهمين الإدارة بانتهاك حرية التعبير وفرض رقابة على الفكر الأكاديمي.
مستقبل الديمقراطية الأمريكية في خطر
تمثل سياسات إدارة ترامب تهديدًا مباشرًا لركائز الديمقراطية الأمريكية بما في ذلك القضاء والصحافة والمؤسسات الأكاديمية. وتكشف الإجراءات الأخيرة عن توجه واضح نحو ترسيخ حكم سلطوي عبر تحييد أي جهة يمكن أن تشكل رقيبًا على السلطة التنفيذية.
والأخطر من ذلك أن المحكمة العليا الأمريكية قضت بأن الرئيس يتمتع بحصانة شبه مطلقة من الملاحقة القضائية أثناء توليه المنصب مما يمنح ترامب حرية واسعة لفرض سياساته دون رادع.
وبينما يحاول الأمريكيون القلقون بشأن هذه التهديدات التصدي لها، فإن المناخ السياسي القمعي الذي تخلقه الإدارة يجعل من المعارضة أمرًا محفوفًا بالمخاطر. فهل تتحمل الديمقراطية الأمريكية هذه الضغوط أم أن البلاد تسير نحو نموذج جديد من الحكم السلطوي؟ هذا هو السؤال الذي يفرض نفسه بقوة في المشهد السياسي الأمريكي اليوم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.