اقتصاد

سياسات ترامب: هل يعيد تشكيل الاقتصاد العالمي؟

صورة: theglobeandmail

مع بداية ولايته الثانية، عاد دونالد ترامب إلى استخدام الرسوم الجمركية كأداة ضغط رئيسية في سياساته الاقتصادية مما يعيد العالم إلى أجواء الحروب التجارية التي ميزت فترة رئاسته الأولى. قراراته السريعة والمكثفة —أكثر من 60 أمرًا تنفيذيًا في أقل من شهر— ترسم ملامح مشهد اقتصادي أكثر تقلبًا حيث تتزايد المخاوف من تراجع النمو العالمي وارتفاع التضخم، بحسب تقرير نشره موقع”Caixa Bank Research“.

الاقتصاد العالمي في مواجهة التفكك والحمائية
تعتمد رؤية ترامب الاقتصادية على تقليص العجز التجاري الأمريكي حتى لو كان ذلك على حساب إضعاف التكامل الاقتصادي العالمي. فقد فرضت واشنطن رسومًا إضافية بنسبة 20% على المنتجات الصينية مما دفع بكين إلى الرد برسوم على المنتجات الأمريكية، لا سيما في قطاعي الطاقة والزراعة. كما تم فرض رسوم جديدة بنسبة 25% على الواردات من المكسيك وكندا، بالإضافة إلى فرض تعريفات على واردات الصلب والألمنيوم. وفي ظل استمرار هذا النهج، قد تواجه الشركات العالمية اضطرابات في سلاسل التوريد مما يدفعها إلى إعادة هيكلة عملياتها التجارية بعيدًا عن السوق الأمريكية.

يرى الخبراء أن هذه التوجهات ستؤدي إلى اقتصاد أكثر انقسامًا حيث تنخفض معدلات النمو وتزداد مخاطر التضخم. وبينما تشير التوقعات إلى أن الحروب التجارية لن تصل إلى تصعيد غير محسوب إلا أن الضبابية حول السياسات القادمة تجعل التنبؤ بالمستقبل الاقتصادي أكثر صعوبة من أي وقت مضى.

منطقة اليورو: بداية ضعيفة لعام مليء بالتحديات
في أوروبا، تواجه منطقة اليورو عامًا اقتصاديًا صعبًا حيث لم يتجاوز النمو في نهاية 2024 نسبة 0.1% وسط ركود في كل من ألمانيا وفرنسا. ومع دخول 2025، لا تبدو مؤشرات التعافي واضحة خاصة في ظل استمرار الاضطرابات السياسية داخل القارة. في فرنسا، لا يزال المشهد السياسي غير مستقر مع احتمالية إجراء انتخابات مبكرة في الصيف، بينما تواجه ألمانيا تحديات تشكيل حكومة مستقرة بعد صعود الأحزاب المتطرفة مما يعقد الجهود لإصلاح السياسات المالية.

وعلى الرغم من أن أوروبا قد تستفيد جزئيًا من إعادة توجيه التجارة الصينية نحوها إلا أن الركود الاقتصادي وضعف الطلب المحلي قد يحدّان من تأثير ذلك. وبناءً على هذه المعطيات، من المتوقع أن تحقق منطقة اليورو نموًا بنسبة 0.8% فقط في 2025 وهي نسبة أقل من التوقعات السابقة ما قد يدفع صناع القرار إلى البحث عن حلول تحفيزية لتعزيز النشاط الاقتصادي.

الولايات المتحدة: بين النمو والتضخم
على الرغم من الأداء القوي للاقتصاد الأمريكي خلال العامين الماضيين إلا أن سياسات ترامب قد تضعه أمام تحديات جديدة. فخطط تقليص القطاع العام قد تؤدي إلى فقدان الوظائف وتراجع الإنفاق الحكومي، في حين أن التشديد على الهجرة وزيادة الرسوم الجمركية قد يؤديان إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج مما يضغط على معدلات التضخم.

ورغم أن التأثيرات الكبرى لهذه السياسات قد لا تظهر بوضوح قبل النصف الثاني من 2025 إلا أن التوقعات تشير إلى نمو اقتصادي بنسبة 2.1% هذا العام مع تباطؤ طفيف في 2026. أما التضخم، فمن المرجح أن يرتفع إلى 3.1%، مما قد يجبر الاحتياطي الفيدرالي على إعادة النظر في خطط تخفيض أسعار الفائدة حيث من المتوقع أن يكون هناك تخفيض وحيد في 2025 بمقدار 25 نقطة أساس مع إمكانية خفض إضافي في منتصف 2026.

الصين: في قلب العاصفة التجارية
تعد الصين الهدف الرئيسي للسياسات التجارية لترامب حيث تسعى إدارته إلى تقليل العجز التجاري معها من خلال فرض رسوم مشددة. وردت بكين بفرض قيود على واردات الطاقة الأمريكية وفتح تحقيقات ضد شركات تكنولوجيا أمريكية ما ينذر بمزيد من التصعيد في حال فشل المفاوضات الثنائية.

وبسبب هذه التوترات، من المتوقع أن يتباطأ النمو الصيني إلى 4.2% في 2025، في حين أن استمرار النزاع قد يدفع الاقتصاد الصيني إلى مستويات نمو أقل في السنوات المقبلة. ورغم تعهد الحكومة الصينية بتقديم حوافز لدعم الاقتصاد إلا أن مدى فعالية هذه التدابير سيعتمد على مخرجات المفاوضات التجارية مع واشنطن.

ختامًا: عالم اقتصادي غير مستقر
مع استمرار السياسات الحمائية وعودة الحروب التجارية إلى الواجهة، يبدو أن الاقتصاد العالمي يتجه نحو مرحلة من عدم الاستقرار حيث تتقلص فرص النمو وتتزايد الضغوط التضخمية، وبينما تظل العديد من الدول بانتظار معرفة الخطوات القادمة للإدارة الأمريكية فإن السيناريو الأقرب للواقع هو أن عام 2025 سيكون عامًا حافلًا بالتحديات الاقتصادية وسط محاولات لإعادة رسم ملامح التجارة العالمية.

Web Desk

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء تعطيل حاجب الإعلانات للاستمرار في استخدام موقعنا