
حسن محمود
في تطور لافت يحمل أبعادا أمنية وسياسية خطيرة، كشف الإعلام العبري، وتحديدا موقع “واينت” تفاصيل جديدة ومقلقة عن مليشيا فلسطينية ناشئة في قطاع غزة تُدعى “القوات الشعبية” بقيادة ياسر أبو شباب وسط تأكيد رسمي من الحكومة الإسرائيلية بتمويل هذه الجماعة وتسليحها بزعم أنها تقاتل ضد حركة “حماس”.
غير أن ما كشفه التقرير يسلّط الضوء على بنية معقّدة للمليشيا تتقاطع فيها مصالح إسرائيل وتنظيم “داعش” والسلطة الفلسطينية، وحتى شخصيات مفصولة من حركة “فتح” ما يعكس حالة من الفوضى الاستراتيجية التي تحيط بالمشهد الغزّي.
ينحدر ياسر أبو شباب، قائد التنظيم، من بيئة بدوية فقيرة شرق رفح وقد خرج من التعليم مبكرا واتجه إلى تجارة المخدرات ثم إلى “تأمين” قوافل المساعدات الإنسانية.
وبين الحشيش وحبوب الهلوسة وسرقة المساعدات الدولية، تمكن من بناء نفوذ محلي شكل لاحقا نواة “القوات الشعبية” وهو تنظيم مسلّح يعمل حاليا في ظل حماية الجيش الإسرائيلي جنوب القطاع، بحسب ما ورد في التقرير العبري.
هذا التحول من مجرم صغير إلى قائد مليشيا محلي يعكس خللا عميقا في البيئة الاجتماعية والأمنية في غزة ويطرح تساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل توظف الشخصيات ذات الخلفيات الجنائية أو الراديكالية لتعزيز تفكك البنية السياسية الداخلية للقطاع أم أنها تغامر بصنع Frankenstein قد ينقلب عليها لاحقا.
اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدعم هذه المليشيا “بناء على توصيات أمنية” واعتباره أن ذلك “يحمي الجنود الإسرائيليين” يكشف عن تحول في العقيدة الأمنية الإسرائيلية.
فبدلا من العمل على تقويض “حماس” من خلال دعم السلطة أو الحلول الدبلوماسية باتت إسرائيل تستثمر في قوى موازية غير رسمية بعضها يحمل سجلا في التعاون مع “داعش”، كما أشار التقرير.
هذا النوع من الدعم يعيد إلى الأذهان تجارب استخباراتية فاشلة في المنطقة حيث تحوّلت قوى محلية مدعومة من الخارج إلى تهديد دائم لاحقا. وفي الحالة الفلسطينية، يُخشى أن يؤدي تكريس هذه الاستراتيجية إلى مزيد من تشرذم السلطة وانفجار داخلي جديد.
من المفارقات اللافتة أن “القوات الشعبية” تضم عناصر قاتلت في صفوف “داعش” في سيناء، مثل عيسى نباهين، إضافة إلى عناصر من “فتح” كغسان الدهيني الذي شارك في أسر الجندي جلعاد شاليط.
كما أن مصادر مطلعة في السلطة الفلسطينية تحدثت عن دعم غير مباشر للمليشيا من خلال رواتب تُدفع بعلم بهاء بعلوشة القيادي الأمني المعروف رغم وجود خلافات بينه وبين رئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج، بحسب تقرير نشره موقع “Alaraby” البريطاني.
التحالفات الرمادية هذه تعبّر عن تآكل المرجعيات السياسية وتفتح الباب أمام ولادة كيانات خارجة عن السيطرة الرسمية تُمثّل تهديدا للأمن الإقليمي وليس فقط لحماس أو غزة.
وإذا صحت هذه التقارير، فإننا أمام مشهد فوضوي شبيه بسيناريوهات المليشيات العراقية أو اللبنانية حيث تتداخل الولاءات وتتبدد الحدود بين الدولة والميليشيا.
ترى إسرائيل في هذا التنظيم أداة تكتيكية ضد “حماس” وتُعول على أن تصاعد الغضب المحلي ضد الأخيرة سيخلق بيئة خصبة لدعم قوى مثل “القوات الشعبية”. إلا أن القصف الإسرائيلي المتكرر لغزة وتحميل المدنيين تكلفة النزاع يجعل من الصعب تصور أن شعبية تنظيم مثل هذا يمكن أن تنمو على قاعدة وطنية.
الواقع على الأرض يشير إلى أن دعم إسرائيل لمثل هذه المليشيا قد لا يكون مجرد مناورة مؤقتة بل جزء من مشروع أوسع لخلق قوى محلية بديلة لحماس لكنها بلا أفق سياسي أو قاعدة شرعية.
في خضم هذا المشهد المعقّد، تُثير قضية “القوات الشعبية” جملة من الأسئلة الجوهرية: هل يمكن لدولة الاحتلال أن تُحقق مكاسب أمنية من خلال دعم مليشيا تحمل في طياتها عناصر داعشية وسجلا إجراميا؟ وهل يعي قادة السلطة الفلسطينية خطورة تحوّل الميدان الغزي إلى ساحة تجريب لتحالفات غامضة؟
إن استمرار دعم هذه المليشيات قد يقوّض أي مشروع حقيقي لإعادة بناء الحياة السياسية الفلسطينية على أسس وطنية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.