آراء و مقالاتحوار

العزلة الهندية في مشهد آسيوي متغير بين التحالفات والضغوط الأمنية

تعبيرية (UrKish)

حسن محمود

تواجه الهند مرحلة دقيقة في سياستها الخارجية، تتسم بتراجع نسبي في حضورها الدولي مقابل صعود تحالفات إقليمية جديدة تعيد رسم موازين القوى في آسيا والشرق الأوسط. هذا الوضع هو نتيجة مسارات متوازية تشمل العلاقات مع الولايات المتحدة، التحركات الصينية والروسية، الاتفاق الدفاعي بين باكستان والسعودية والانفتاح الحذر على طالبان في أفغانستان.

زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الهند جاءت في وقت دولي مضطرب وحملت أهمية استراتيجية لموسكو في ظل العقوبات الغربية والحاجة إلى أسواق مستقرة للسلاح والطاقة. الهند بدت في موقع المشتري أكثر من كونها شريكًا متكافئًا ما يعكس محدودية قدرتها على تحويل العلاقة مع روسيا إلى مكسب سياسي واسع رغم محاولة نيودلهي رفع مستوى الزيارة لكسر صورة العزلة.

في الوقت نفسه، تواجه الهند فتورًا من دول الشمال العالمي. الرسوم الجمركية الأمريكية المرتفعة والعقوبات الإضافية على شراء النفط الروسي، وضعت العلاقة مع واشنطن تحت ضغط.
وتجنب رئيس الوزراء ناريندرا مودي لقاء الرئيس الأمريكي في محافل إقليمية عكس إدراكًا بأن اللقاءات الرمزية دون مكاسب عملية لم تعد تخدم السياسة الهندية. هذا المشهد لا يقتصر على الولايات المتحدة بل يمتد إلى دول غربية أخرى تتعامل مع نيودلهي ببرود سياسي ملحوظ.

الاتفاق الدفاعي المتبادل بين باكستان والسعودية يمثل محطة مفصلية في هذا السياق. ينص على اعتبار أي عدوان على أحد الطرفين عدوانًا على الطرف الآخر وهو بند ذو دلالات سياسية واضحة. الرد الهندي الرسمي اتسم بالهدوء، مع التركيز على دراسة تأثيره على الاستقرار الإقليمي.
خلف هذا الخطاب، ثمة قلق من احتمال أن تسهم الموارد السعودية في تعزيز قدرات الجيش الباكستاني الذي تراه الهند التهديد الأمني الأول.

مع ذلك، يوضح الخبراء أن الاتفاق لا يرقى إلى تحالف عسكري واسع مثل الناتو. التباينات بين الدول الإسلامية والخلافات الخليجية تحد من فرص تشكيل تكتل عسكري متماسك. علاوة على ذلك، العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الهند والسعودية، بما في ذلك الجالية الهندية الكبيرة واستثمارات الطاقة، تمنع الرياض من الانخراط في مواجهة عسكرية مع نيودلهي.

داخليًا، تواجه الهند تحديات أمنية جديدة. الإرهاب الحضري عاد بأساليب أكثر تطورًا مع شبكات منظمة تضم عناصر متعلمة ومهنية تستخدم وسائل اتصال مشفرة وتجمع متفجرات بكميات كبيرة. هذه الظاهرة تكشف عن ثغرات أمنية وتعيد إلى الواجهة الانقسامات الطائفية القديمة وتأثيرها على النسيج الاجتماعي.

إقليميًا، بيئة جنوب آسيا أقل استقرارًا بالنسبة للهند. أفغانستان ما بعد طالبان أصبحت ساحة توازنات جديدة. فتح نيودلهي قنوات مباشرة مع طالبان واستقبال وزير خارجيتها، يعكس مقاربة براجماتية لحماية المشاريع التنموية ومنع استخدام الأراضي الأفغانية ضد المصالح الهندية. هذا التحرك فُسّر في باكستان كمناورة ضدها في ظل تصاعد التوتر مع حركة طالبان الباكستانية.

تواجه الهند أيضًا تغيرات في جيرانها مثل بنجلاديش ونيبال والمالديف وميانمار التي تعيد ترتيب علاقاتها باتجاه الصين وباكستان ما يقلص نفوذ نيودلهي التقليدي في المنطقة.

في ضوء هذه المعطيات، تتطلب سياسة الاستقلال الاستراتيجي الهندية مراجعة شاملة. يجب على الهند إدارة التحديات الخارجية والداخلية بدبلوماسية متوازنة مع تعزيز قدراتها على قراءة التحولات الإقليمية والدولية دون الاعتماد فقط على القوة الديموجرافية والاقتصادية لضمان موقع مؤثر في النظام الدولي المتغير.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى