
كشفت دراسة علمية حديثة أجراها باحثون من جامعة ماكغيل (McGill University) الكندية عن تلوث مقلق يهدد الأنهار حول العالم يتمثل في كميات كبيرة من بقايا المضادات الحيوية البشرية (Human antibiotics) التي تُطرح سنويًا في المياه ما يشكل خطرًا على البيئة وصحة الإنسان على حد سواء.
وبحسب الدراسة التي نُشرت في مجلة PNAS Nexus تستقبل الأنهار العالمية ما يقارب 8,500 طن من المضادات الحيوية سنويًا أي ما يعادل حوالي ثلث الكمية التي يستهلكها البشر. ويعود السبب الرئيسي لهذا التلوث إلى عجز أنظمة معالجة مياه الصرف الصحي عن إزالة هذه المركبات الدوائية بشكل كامل مما يسمح بتسربها إلى المجاري المائية.
أضرار بيئية وصحية غير مرئية
وقالت الدكتورة هيلويسا إيهالت ماسيدو الباحثة الرئيسية في الدراسة: إن “بقايا المضادات الحيوية قد تكون بتركيزات ضئيلة جدًا يصعب قياسها لكنها تسبب تأثيرًا بيئيًا تراكميًا ومزمنًا يمكن أن يهدد الأنظمة البيئية المائية وصحة الإنسان”.
وأوضحت الدراسة أن التعرض المزمن للمضادات الحيوية يؤدي إلى اختلال في توازن الحياة المائية ويؤثر سلبًا على الكائنات الدقيقة مثل الطحالب والأسماك والبكتيريا النافعة مما يعزز فرص ظهور بكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية وهي واحدة من أكبر التهديدات الصحية العالمية اليوم.
الأموكسيسيلين في صدارة الملوثات
وأشارت نتائج الدراسة إلى أن دواء الأموكسيسيلين (Amoxicillin) وهو أحد أكثر المضادات الحيوية استخدامًا، هو الأكثر تواجدًا في الأنهار الملوثة. واعتمد الباحثون على نموذج عالمي تم التحقق منه باستخدام بيانات من 877 موقعا نهريا لتحديد أكثر المناطق تلوثًا.
ووفقًا للدراسة، تُعد جنوب شرق آسيا من المناطق الأكثر تأثرًا حيث الاستخدام المرتفع للأدوية يقابله ضعف في قدرات محطات معالجة مياه الصرف ما يؤدي إلى تراكم خطير لبقايا المضادات الحيوية في الأنهار.
مصادر تلوث لم تُرصد بعد
ورغم أن الدراسة ركزت على التلوث الناتج عن الاستهلاك البشري فقط إلا أن الباحثين حذروا من أن الوضع قد يكون أكثر سوءًا عند احتساب المصادر الأخرى مثل مزارع المواشي والمصانع الدوائية التي لم تُدرج في التحليل الحالي.
وقال البروفيسور جيم نيسيل أحد المشاركين في الدراسة: إن “تأثير الاستهلاك البشري وحده يكفي لخلق أزمة بيئية حادة، فما بالك إذا أضفنا إلى ذلك التلوث الناتج عن الاستخدام الحيواني والصناعي”.
دعوات للمراقبة والتحديث
وأكد الباحثون على ضرورة إطلاق برامج مراقبة مستمرة لرصد تلوث الأنهار خصوصًا في المناطق الأكثر عرضة للخطر، إضافة إلى تطوير أنظمة معالجة المياه في الدول النامية عبر إدخال تقنيات ترشيح متقدمة قادرة على إزالة الأدوية من مياه الصرف قبل تصريفها في الأنهار.
وشدد الباحثون على أن الحلول يجب ألا تقتصر على التكنولوجيا فقط بل تتطلب أيضًا سياسات تنظيمية أكثر صرامة وإجراءات توعية للحد من الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية.
يمثل تلوث الأنهار بالمضادات الحيوية تهديدًا عالميًا يتطلب استجابة عاجلة. فبينما تظل المضادات الحيوية ضرورية لإنقاذ الأرواح فإن تأثيراتها البيئية الخطيرة تستوجب إعادة النظر في كيفية استخدامها والتخلص منها قبل أن تتحول إلى أزمة صحية وبيئية يصعب احتواؤها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري ل UrKish News.